الآية رقم (49) - الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ

هذه برقيّة مختصرة عن المتّقين، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[الذّاريات]، وبذلك نجد في بداية القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى: ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: الآية 1-2، ومن الآية 3]، وهنا تعريف مختصر للمتّقين، وهم:

﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾: الخشية: الخوف بتعظيم ومهابة، فقد تخاف من شيء وأنت تكرهه، كأن تخاف من شيءٍ ضارّ، أمّا الخشية كأنْ تخاف من أبيك أو من أستاذ أن يراك مُقصِّراً، وتخجل منه أنْ يراك على حال تقصير، فمعنى الخوف من الله عزَّ وجلّ: أن تخاف أن تكون مُقصِّراً فيما طُلِب منك، وفيما كلَّفك به؛ لأنّ مقاييسه سبحانه وتعالى عالية، وربّما فات الإنسان من ذَلك شيء، وفي موضع آخر يشرح الحقّ سبحانه وتعالى هذه المسألة، فيقول: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: من الآية 28]، لماذا؟ لأنّهم الأعلم بالله سبحانه وتعالى وبحكمته في كونه، وكلّما تكشَّفَتْ لهم حقائق الكون وأسراره ازدادوا لله جلَّ جلاله خشية، ومنه مهابة وإجلالاً؛ لذلك قال عنهم: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾[النّحل: من الآية 50]؛ أي: أعلى منهم وعلى رؤوسهم، لكن بِحُبٍّ ومهابة.

﴿بِالْغَيْبِ﴾: إنّهم يخافون الله عزَّ وجلّ، مع أنّهم لا يَروْنه بأعينهم، إنّما يَرَوْنَه في آثار صُنْعه، أو بالغيب؛ أي: الأمور الغيبيّة الّتي لا يشاهدونها، لكن أخبرهم الله سبحانه وتعالى بها، فأصبحت بَعْد إخبار الله عزَّ وجلّ كأنّها مشهدٌ لهم يروْنَها بأعينهم.

أو يكون المعنى: يخشون ربّهم في خَلَواتِهم عن الخَلْق، فمهابة الله سبحانه وتعالى والأدب معه تلازمهم حتّى في خَلْوتهم وانفرادهم، على خلاف مَنْ يُظهِر هذا السّلوك أمام النّاس رياءً.

﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾: الإشفاق بمعنى الخوف أيضاً، لكنّه خَوْف يصاحبه الحذر ممّا تخاف، فالخوف من الله سبحانه وتعالى مصحوب بالمهابة، والخوف من السّاعة مصحوب بالحذر منها، مخافة أنْ تقوم عليهم قبل أنْ يُعِدّوا أنفسهم لها إعداداً كاملاً يُفرحهم بجزاء الله عزَّ وجلّ ساعة يلقوْنَه.

«الَّذِينَ» صفة

«يَخْشَوْنَ» مضارع وفاعله والجملة صلة

«رَبَّهُمْ» مفعول به والهاء مضاف إليه

«بِالْغَيْبِ» متعلقان بمحذوف حال من فاعل يخشون

«وَهُمْ» الواو حالية

«هُمْ» مبتدأ

«مِنَ السَّاعَةِ» متعلقان بمشفقون

«مُشْفِقُونَ» خبر هم والجملة حالية.