﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ﴾: مباشرة بعد الحديث عن الإنذار جاء بأوّل شيء بالنّسبة إلى العذاب، وهو المسّ، لمس خفيف.
والنّفحة: هي الرّيح اللّيّنة تحمل آثارَ الأشياء دون حقيقتها، كأن تحمل لك الرّيحُ رائحة الورود مثلاً، هي لا تحمل لك الورود نفسها، إنّما رائحتها، وتظلّ الورود كما هي، كذلك هذه المسَّة من العذاب، إنّها مجرّد رائحة عذاب، كما نقول: لفح النّار الّذي نشعر به، ونحن بعيدون عنها.
والنّفحة: اسم مرَّة؛ أي: تدلّ على حدوثها مرّة واحدة، كما تقول: جلس جَلسة؛ أي: مرّة واحدة، وهذا أيضاً دليل على التّقليل، فـ ﴿مَسَّتْهُمْ﴾ تقليل، و﴿نَفْحَةٌ﴾ تقليل، وكونها مرّة واحدة تقليل آخر، ومع ذلك يضجُّون ويجأرون، فما بالنا إنْ نزل بهم العذاب على حقيقته، وهو عذاب أبديّ؟!
﴿لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾: الآن ينطقون، الآن يقولون كلمة الحقّ الّتي طالما كتموها، الآن ظهرتْ حساسيّة الإدراك لديهم، فمن أقلِّ القليل ومن رائحة العذاب يجأرون، وأين كان هذا الإدراك، وهذه الحساسيّة من قبل؟ فالمسألة هي مسألة توجيه إدراك الإنسان.
﴿يَا وَيْلَنَا﴾: إحساس بما هم مُقبلون عليه، وهذا القول صادر عن مواجيد في نفوسهم، ثمّ يُقرُّون على أنفسهم:
﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾: فأقرّوا بأنّهم كانوا ظالمين.