الآية رقم (37) - وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ

﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ﴾: كما أرسلنا الرّسل بالرّسالات، أنزلنا القرآن الكريم، واستخدام لفظة: ﴿ أَنْزَلْنَاهُ ﴾؛ أي نزل من علوٍ، من اللّوح المحفوظ.

﴿ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾: كلام الله عز وجل الخاتم الّذي خُتمت به رسالات السّماء كان حُكماً عربيّاً، وقد وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنّه حكمٌ عربيٌّ، كما نقول ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى: هذا قاضٍ عادل، ومن كثرة عدله نقول: هذا القاضي عدلٌ، فهذا القرآن هو فيصلٌ وحكمٌ لبيان الحقّ والباطل وكلّ ما يتعلّق بأمور النّاس، ونجد اللّغات على وجه الأرض قد تشتّتت وتوزّعت، فاللّغة اللّاتينيّة توزّعت إلى فرنسيّة وإنجليزيّة وإيطاليّة و… إلخ، وغيرها من اللّغات إلّا اللّغة العربيّة، فالقرآن الكريم حفظها، قال سبحانه وتعالى: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾]يوسف[، والنّبيّ , يقول: «أحبّوا العرب؛ لأنّي عربيٌّ، والقرآن عربيٌّ، وكلام أهل الجنّة عربيٌّ»([1])، فتمكين اللّغة العربيّة بالنّسبة إلى لساننا أمرٌ حاسمٌ، وعندما نتحدّث عن العروبة أو عن العربيّة فنحن لا نتحدّث عن عنصريّة، وإنّما عن لسانٍ عظيمٍ ولغةٍ عظيمةٍ تجمع هذه الثّقافة وتجمع أحوال النّاس، هذه اللّغة الّتي فيها من الميّزات والخصائص ما جعلها الله سبحانه وتعالى وعاءً لكلماته العظيمة، وقد قلنا سابقاً: بأنّه في هذه اللّغة الكلمة الواحدة تُعطي مجموعةً من المعاني، نحو كلمة (العين)، فتعني العين الّتي نرى بها، وتعني الجاسوس، وتعني عين الماء، ونحن نعتزّ بعروبتنا وباللّغة العربيّة ونفخر بها ونحافظ عليها؛ لأنّها جزءٌ لا يتجزّأ من أوامر الله سبحانه وتعالى، ولولا القرآن الكريم لاندثرت اللّغة العربيّة، أو لأصبحت اللّهجات العامّيّة في الدّول العربيّة لغات منفصلة بدلاً من اللّغة العربيّة، ولكن الّذي منع العامّية من التّغلّب على اللّغة الفُصحى هو القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ]الحجر[، فاللّغة العربيّة محفوظةٌ بحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى.

﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾: بعض المفسّرين يرى أنّ هذه الآية خطابٌ لأمّة النّبيّ ,، وهي ليست إنقاصاً من قَدر رسول الله ,، إنّما هي منعٌ لكلّ متّبعٍ للنّبيّ , من أن يتّبع أهواء الّذين كفروا والّذين حاربوا وواجهوا الإسلام منذ اللّحظات الأولى.

﴿ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾: لأنّ ما جاء في القرآن الكريم هو العلم، العلم بحقيقة وجود الإنسان، وحقيقة ما يجب أن يعبد الإنسان، وما تكون فيه حياته خالصة وصادقة وأمينة ومستقيمة من خلال أحكام القرآن الكريم، فالّذي يتّبع الهوى بعد ما جاء القرآن الكريم فليس له من الله سبحانه وتعالى واقٍ؛ أي وِقاية من العذاب، وليس له إلّا الحساب والعقاب.

([1]) شعب الإيمان: باب في حبّ النّبيّ :، الحديث رقم (1433).

«وَكَذلِكَ» جار ومجرور متعلقان بصفة لمفعول مطلق محذوف أنزلناه إنزالا كائنا مثل

«أَنْزَلْناهُ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة مستأنفة

«حُكْماً» حال

«عَرَبِيًّا» صفة

«وَلَئِنِ» الواو حرف استئناف واللام موطئة للقسم وإن حرف شرط جازم

«اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ» ماض وفاعله ومفعوله والهاء مضاف إليه والكلام مستأنف وجملة فعل الشرط ابتدائية لا محل لها

«بَعْدَ» ظرف زمان

«ما» موصولية في محل جر مضاف إليه

«جاءَكَ» ماض ومفعوله وفاعله مستتر يعود على ما

«مِنَ الْعِلْمِ» متعلقان بمحذوف حال والجملة صلة

«ما لَكَ» ما نافية تعمل عمل ليس والجار والمجرور متعلقان بخبرها المقدم

«مِنَ اللَّهِ» لفظ الجلالة مجرور بمن متعلقان بمحذوف حال

«مِنَ» حرف جر زائد

«وَلِيٍّ» اسمها مؤخر مجرور لفظا مرفوع محلا

«وَلا واقٍ» الواو عاطفة ولا زائدة وواق معطوف على ولي على اللفظ وهو مرفوع مثله. والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جملة جواب قسم.