﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾: هذا ما قاله المشركون عندما طلبوا من النّبيّ , معجزةً حسّيّةً والقرآن الكريم يتنزّل، وهو أكبر معجزةٍ خالدةٍ إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها.
فهم أرادوا تعجيز النّبيّ ,، والله سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يبعث أيّ معجزةٍ، وهناك معجزاتٌ كثيرةٌ لنبيّنا ,، والقرآن الكريم هو معجزةٌ بالكلمة، ولن يكون معجزةً حسّيّةً؛ أي أنّك تريد القرآن الكريم لتدكّ به الجبال، أو لتقطّع به الأرض، أو لتكلّم به الموتى.. وهذا ما طلبوه، أرادوا مَلَكاً من السّماء، وأن يُفجِّر لهم من الأرض ينبوعاً، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ ]الإسراء[، فإذاً هذا ما طلبوه، أرادوا معجزةً حسّيّةً، والمعجزة الحسّيّة تنقضي بانقضاء وقتها، أمّا المعجزة الخالدة فهي الّتي تبقى مدى الزّمان وهي القرآن الكريم.
﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾: كلّ شيءٍ بيد الله جل جلاله، ولستم أنتم من يقترح على الله عز وجل ما هي المعجزة، فالقرآن الكريم خالدٌ بخلود الزّمان، وهو بالكلمة، والمولى جل جلاله يستطيع أن يجعل الجبال تندكّ بيد النّبيّ , كما فرق البحر بعصا موسى عليه السلام، ويستطيع , أن يكلّم الموتى كسيّدنا عيسى عليه السلام، ولكنّها معجزاتٌ حسّيّةٌ تنقضي.
﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾: الّذين آمنوا يجب أن يعلموا بأنّ الله سبحانه وتعالى لو أراد لهدى النّاس جميعاً، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾]يونس[، فلا تتأمّلوا أن يهتدي هؤلاء؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قد بيّن لهم طريق الهداية، وهم اختاروا طريق الضّلال، لكنّ الله سبحانه وتعالى بعلمه الكاشف يعلم بأنّهم لن يهتدوا.
﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ﴾: قارعة: نازلة شديدة أو أمرٍ عظيم.
﴿حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾: فإذاً لكلّ أجلٍ كتابٌ، وليس من صفات الله سبحانه وتعالى العجلة، فالعجلة من طبع الإنسان، والله سبحانه وتعالى كلّ شيءٍ عنده بمقدار، وعندما يأتي الموعد فلا يُخلف الله سبحانه وتعالى الميعاد، ووعد الله سبحانه وتعالى في الكتاب وفي الأجل، انظر إلى دقّة هذه الآية: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾]الكهف[؛ أي أنّه صدر الأمر وانتهى، لكن هناك موعدٌ يخرج فيه ويحدث؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، ولكلّ أجلٍ كتابٌ.