عقبى الدّار هي جنّات عدنٍ.
﴿جَنَّاتُ﴾: أي بساتين.
﴿عَدْنٍ﴾: أي إقامة دائمة.
المقصود بالجنّات البساتين، وفي آياتٍ أخرى: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ ]التّوبة: من الآية 72[، فللإنسان هذه الأشجار وهذه البساتين، وفيها مساكن طيّبة، والجنّة كما بيّن النّبيّ , في الحديث الصّحيح: «فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ»([1])، وهنا عندما نناقش القضايا الغيبيّة والعقائديّة المتعلّقة بالجنّة والنّار وما تحويه، وما فيها من أنهار…، فكلّها تخضع لمعيارٍ واحدٍ، هذا المعيار هو قوله سبحانه وتعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾]الرّعد: من الآية 35[، ﴿مَثَلُ﴾؛ أي أنّ العقل البشريّ لا يستطيع تصوّر ما في الجنّة، فهي ﴿مَثَلُ﴾؛ أي تقريب للأذهان بمثل ما يعرف الإنسان؛ لأنّ الشّيء إن لم تكن تعرفه فلا تستطيع تسميته، فمثلاً عندما اخترعوا التّلفاز سُمّي كذلك بعد إنشائه، وكلّ ما يتعلّق بالجنّة يخضع لهذا المعيار، فالجنّات والبساتين والأنهار والمساكن الطيّبة… كلّ هذه الأمور هي للتّقريب للعقل البشريّ، بدليل قول نبيّه ,: «فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ»، فإذا لم يخطر على بالك، ولم تره عيناك، ولم تسمع عنه أذُناك، فكيف ستتصوّره؟! لذلك يقرّب الله سبحانه وتعالى ذلك للأذهان البشريّة.
﴿يَدْخُلُونَهَا﴾: يدخل هذه الجنّات أولو الألباب الّذين اتّصفوا بالصّفات التّسع الّتي تحدّثنا عنها.
﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾: الجنّة ليست لك فقط، وإنّما لمن تحبّ في هذه الحياة الدّنيا أيضاً، وهذا من رحمة وعطاء الله سبحانه وتعالى، لكن بشرط أن يكون صالحاً، بما أنّه قال: ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ فالمراد العائلة كلّها، فكلمة الآباء تُطلق على الأمّهات والآباء، بدليل قوله سبحانه وتعالى في سورة يوسف: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ ]يوسف: من الآية 100[؛ أي أمّه وأبيه، وهنا يدخل الإنسان الصّالح جنّات عدنٍ ومن صلح من الآباء والأزواج والذّريّات، والإنسان يحنّ بعاطفته الّتي خلقها الله سبحانه وتعالى إلى ذرّيّته وإلى أمّه وأبيه وزوجته، فهؤلاء جميعاً يكونون مع بعضهم بإذن الله سبحانه وتعالى بشرط الصّلاح.
﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾: أي أبواب الطّاعات،
([1]) صحيح مسلم: كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، الحديث رقم (2825).