الآية رقم (1) - إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا

﴿زُلْزِلَتِ﴾: الزّلزال: التّحريك والاضطراب الشّديدان.

الله سبحانه وتعالى تحدّث عن هذه الظّاهرة الطّبيعيّة الّتي تحدث للأرض كثيراً فقال جلَّ جلاله: ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا﴾ [الواقعة]، والزّلزال الّذي في سورة (الزّلزلة) ليس هو الهزّة الأرضيّة الّتي نعرفها الّتي تهدم البيوت أو تقتلع بعض القرى والمدن، هذه مجرّد آياتٍ كونيّةٍ تُثبت صدق البلاغ عن الله عزَّ وجل، وتنبّه الإنسان إلى الزّلزال الكبير في الآخرة، فهو صورةٌ مصغّرةٌ لما سيحدث حينها، لكيلا نغترّ بسيادتنا في الدّنيا. وقد وصف الله سبحانه وتعالى الزّلزال يوم القيامة بأنّه شيءٌ عظيمٌ، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجّ]، ولنا أن نتصوّر عظمة وفظاعة وصف الزّلزال بأنّه عظيمٌ، ومَن يصفه هو الله العظيم، والأرض ليس لها قِوامٌ بذاتها، إنّما قِوامها بأمر الله جلَّ جلاله وقدرته، فإذا أراد لها أن تزول زالت.

وفي قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾؛ أُضيف الزّلزال إلى الأرض، فهو ليس كالزّلزال المعهود، فزلزلة الدّنيا لا تلبث حتّى تسكن، أمّا زلزلة الآخرة فلا تسكن، ويستمرّ ارتجاجها وتحرّكها حتّى ينكسر كلّ شيءٍ عليها من جبلٍ أو مدينةٍ أو بناءٍ أو شجرٍ، فهو اضطرابٌ عظيمٌ يهدم البنيان.

الآية رقم (2) - وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا

﴿أَثْقَالَهَا﴾: ما في جوف الأرض من الكُنوز والدّفائن والأموات.

وما نراه من براكين، وثرواتٍ في باطن الأرض يدخل تحت هذا العنوان، وأثقال الأرض قد تكون ما في القبور؛ لأنّ الأرض تُخرج ما في جوفها من النّاس والدّوابّ والمعادن والكنوز، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق]؛ أي ألقت ما فيها من موتى ومن أيّ شيءٍ آخر.

الآية رقم (3) - وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا

حينها يتساءل الإنسان الّذي لم يؤمن بالآخرة ولا البعث ولا الحساب: ما بال الأرض تهتزّ وتتزلزل وتضطرب بهذا الشّكل؟ سؤالٌ يدلّ على حمقٍ ونزقٍ، لمن كذّب بهذا اليوم وأنكر البعث، أمّا المؤمن فيعلم أنّ هذه الزّلزلة هي زلزلة النّهاية.

الآية رقم (4) - يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا

﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾: تُخبِر بما عُمِل عليها من خيرٍ وشرٍّ.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قال: «أتدرون ما أخبارها؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا»، قال: «فهذه أخبارها»([1]).

 


([1]) سنن التّرمذيّ: كتاب تفسير القرآن، سورة إذا زلزلت الأرض، الحديث رقم (3353).

الآية رقم (5) - بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا

الوحي هو إعلامٌ بخفاءٍ، فالله سبحانه وتعالى  يوحي إلى الأرض، وهو ليس وحياً بالمعنى الاصطلاحيّ كما يعتقد بعض النّاس، لكنّه هنا بالمعنى اللّغويّ كوحي الله سبحانه وتعالى إلى النّحل: ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النّحل]، والوحي إلى الملائكة: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال]، وكذلك وحي الله سبحانه وتعالى إلى أمّ موسى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص]، كذلك وحي الله سبحانه وتعالى إلى الحواريّين: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة]، الأرض فهمت عن الله سبحانه وتعالى  بما أودع فيها فتزلزلت.

الآية رقم (6) - يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ

﴿يَصْدُرُ﴾: الصّدور: بمعنى الانصراف، وهو ضدّ الورود.

﴿أَشْتَاتًا﴾: جمع شتّ، ويُقال: شتّ القوم؛ أي تفرّقوا.

صدور النّاس مرتبطٌ بقوله سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي يوم القيامة، ففي يوم الحساب يأتون متفرّقين، وينقسمون إلى فريقين، فريقٍ في الجنّة وفريقٍ في السّعير، يصدرون من الأجداث إلى الحساب ليروا جزاء أعمالهم في الآخرة من الثّواب أو العقاب، فكلمة ﴿أَشْتَاتًا﴾؛ أي لا يجتمعون، فتفرّقُهم تفرّقُ تشتُّتٍ، كلٌّ له مصيرٌ. وقد وردت كلمة أشتاتاً في آيةٍ أخرى، ولكن في مقامٍ آخر: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ [النّور: من الآية 61]، ذلك لأنّهم كانوا يأكلون على حدة، أو جميعاً، يُقال أيضاً: شتّان ما بين فلانٍ وفلانٍ؛ أي ما أشدّ البعد بينهما.

﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾: اللّام لام التّعليل؛ أي جزاء أعمالهم، يُعاينون الأعمال الحسنة والأفعال السّيّئة، ويطّلعون على ما اقترفته جوارحهم، وعين الأعمال لا تُرى، لكن الّذي يُرى ما يدلّ عليها، وهو المكتوب من أعمالهم في الكتب: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا _ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء]، وإن كنّا في الدّنيا نسجّل الأحداث بالصّوت والصّورة، فما بالنا بتسجيل الحقّ لنا؟ كلّ دقيقةٍ وكلّ لحظةٍ، يرى كلّ ما فعله بطريقةٍ لا يمكن أن يُنكرها، فلن يُحاسَب بل سيُترك لنفسه كي تحاسبه، وتشهد عليهم ألسنتهم وجلودهم بما كسبوا، فتكون أكبر شهادةٍ.

الآية رقم (7-8) - فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

سمَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الآية الجامعة الفاذّة، حين سُئل عن زكاة الحمر فقال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ _ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾»([1]).

﴿مِثْقَالَ﴾: أي ثقل وزن، الثّقل: هو مقدار جاذبيّة الأرض للشّيء، فعندما يكون وزن الشّيء قليلاً وتلقيه من أعلى ينزل ببطءٍ، أمّا الشّيء الثّقيل فينزل بسرعةٍ؛ لأنّ قوّة الجاذبيّة له تكون أقوى. والإنسان منّا حين ينظر إلى كلمة ﴿مِثْقَالَ﴾ يُعبَّر عنها أنّها وزنٌ، فمعيار الميزان هنا الذّرّة.

﴿ذَرَّةٍ﴾: ما الذّرّة؟ قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: “إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها، فكلّ واحدٍ ممّا لزق به من التّراب ذرّة”، وهو ما يُسمّى الهَبَاء، فالذّرّة واحدةٌ من الغبار، وواحدةٌ من الهباء، والحقّ سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرّةٍ، هذا تمثيلٌ فقط، يمكن أن تكبُر ويمكن أن تصغُر، وليس معنى هذا أنّ الذّرّة هي الأقلّ وزناً في الأرض، فالعلماء بأبحاثهم فتّتوا الذّرّة المعروفة في تركيب المادّة إلى إلكترونات موجبةٍ وسالبةٍ، وهذا لا يُصادم القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ: من الآية 3]، إذاً هناك أصغر من الذّرّة.