الآية رقم (5) - تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ

﴿مِنْ عَيْنٍ﴾: أي عين الماء.

﴿آنِيَةٍ﴾: شديدة الحرارة، كما قال تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: من الآية 29].

وليس طعامهم بحرارةٍ أقلّ من شرابهم.

الآية رقم (6) - لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ

﴿ضَرِيعٍ﴾: الضّريع: نباتٌ عرفه العرب يُقال له: الشِّبْرِق، ترعاه الإبل وهو أخضر، فإذا يَبِس سُـمِّيَ الضّريع، وهو سامّ عندئذٍ لا ترعاه الإبل إلّا إذا أضرّ بها الجوع.

الآية رقم (7) - لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ

هذا هو طعامهم -والعياذ بالله-، وهو على درجاتٍ بحسب مقامات العذاب، فكما أنّ النّعيم له مراتبٌ حسب مراتب الإيمان، كذلك العذاب له دركاتٌ حسب دركات الكفر.

وعندما يكون هذا طعامهم فإنّه لا يسمن ولا يغني من جوعٍ؛ لأنّه للعذاب، والسِّمَن: يقتضي اطمئناناً وهدوءاً نفسيّاً.

الآية رقم (8) - وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ

لكن هنا لنلحظ ملحظاً مهمّاً أنّ جزاء الكافرين جاء في البدء وبعد ذلك جاء بنعيم المؤمنين؛ لأنّ الأقرب والأنسب لحديث الغاشية أن يذكر الإنسان العذاب وبعد ذلك يأتي جزاء الإيمان، والآيات تصوّر لنا وجوه العصاة والكافرين وكيف كانت عاملةً ناصبةً في الدّنيا بحركةٍ آلت إلى البوار والخسران، وأنّها ستكون كذلك في الآخرة، خاشعةً ذليلةً عاملةً ناصبةً تجرّ السّلاسل والأغلال، وتسير في هوّات جهنّم ووديانها، فجمع عليها مشقّة التّعب وألم العذاب، واللّغة العربيّة لا يوجد فيها معانٍ أو كلماتٌ تعبّر عن شيءٍ غير معروفٍ، فالـمُخاطَب يُخاطَب على قدر ما يفهم من إدراكات النّعيم، وهو فوق ما نتصوّره؛ لأنّ ألفاظ اللّغة لا توضّح إلّا الشّيء الّذي له معنى أمامك، فإذا كانت الجنّة والنّار غيباً لا نعلم عنه شيئاً، فلا وجود للألفاظ الّتي تُعبّر عنها، لذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم عن الجنّة: «قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ»([1])، لكن هذا تقريبٌ للإنسان، فالوجوه ناعمةٌ تعلوها نضرة النّعيم، ويكسوها البِشْرُ والسّرور والسّعادة، وهي صورةٌ تفوق الوصف، لكنّنا قد نرى شيئاً من هذا الوصف في الدّنيا في الوجوه المنعّمة النّضرة فنرى لها بريقاً وجاذبيّةً تنمّ عمّا في نفس صاحبها من الرّضا، وممّا يتمتّع به من الأمن والإيمان والطّمأنينة وهدوء البال.

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾: أي يوم القيامة.

﴿نَّاعِمَةٌ﴾: أي منعّمة.

 


(([1] صحيح البخاريّ: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنّة وأنّها مخلوقة، الحديث رقم (3072).

الآية رقم (9) - لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ

راضيةٌ بما سعت في الدّنيا، والإنسان لا يرضى عن سعيه إلّا إذا رأى ثمرته وعاقبته السّعيدة، وهذه في مقابل العاملة النّاصبة، فهذا سعى وهذا سعى، ولكن شتّان بين النّتيجتين والغايتين، فنِعْم المسعى الّذي ينتهي بصاحبه إلى الجنّة ونعيمها، وبِئس المسعى الّذي ينتهي بصاحبه في النّار الحامية، فالعاقل الّذي يقدّر العواقب.

الآية رقم (10) - فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ

﴿عَالِيَةٍ﴾: عالية في المكانة والمنزلة.