الآية رقم (11) - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: فلا يمكن أن يُذكَر الإيمان في كتاب الله سبحانه وتعالى إلّا ويُذكَر إلى جانبه العمل الصّالح.

﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾: هذه صفة الجنّات الّتي وُعِدوا بها.

﴿ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾: الفوز: هو نصرٌ وغلبةٌ، فالفوز الكبير يكون من نصيب المؤمنين الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: من الآية 185]، وتكون منازلهم في الجنّة على قدر ما تعرّضوا إليه في الدّنيا، فهناك فوزٌ، وهناك فوزٌ كبيرٌ، وفوزٌ أكبر؛ وهو ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التّوبة: من الآية 72].

الآية رقم (22) - فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ

وهذا القرآن الكريم يتميّز عن غيره من الكتب بأنّه محفوظٌ، قال سبحانه وتعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾ [الحجر]، ولنتأمّل الدّقّة في التّعبير عن حفظه، فالمحفوظ هنا ليس القرآن الكريم، بل اللّوح الّذي حمله، فكيف بالقرآن الكريم ذاته؟! وذلك ليطمئن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على مستقبل دعوته وكتابنا العظيم، وكأنّ الحقّ سبحانه وتعالى يقول: يا محمّد، لا تحزن، واصبر على تكذيب قومك، فهذا الكتاب محفوظٌ لن تمسّه يدٌ ولا تحريفٌ، لا في الملأ الأعلى ولا على الأرض، فما أعظم قرآناً قال عنه الله سبحانه وتعالى: بأنّ لوحَه محفوظٌ وليس هو فقط.

الآية رقم (12) - إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ

الآيات هنا تحدّثنا عن قضيّةٍ عامّةٍ لها صفة الدّيمومة، فالله سبحانه وتعالى ذو بطشٍ وقوّةٍ مع أصحاب الأخدود وغيرهم في كلّ زمانٍ ومكانٍ، والخطاب لمن يقف في وجه سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهذا التّهديد بالبطش للخارجين عن طاعته صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿بَطْشَ﴾: البطش: الأخذ بقوّةٍ وعنفٍ.

فبطشه شديدٌ؛ لأنّه سبحانه وتعالى له القوّة المطلقة الّتي لا تفوقها قوّةٌ، ولا يوجد من الله سبحانه وتعالى نصيرٌ، فإذا أخذَ فإنّ أخذه سبحانه وتعالى يكون أليماً وشديداً.

الآية رقم (13) - إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

قوسا الوجود البدء والإعادة بيده سبحانه وتعالى.

الآية رقم (14) - وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ

الغفور للمذنبين، الودود للطّائعين المحبّين، وكلتا الصّفتين تجعل الإنسان يؤمن بهذا الإله ويعشق الإيمان به.

﴿الْغَفُورُ﴾: صيغة مبالغةٍ من غافر، والمبالغة في صفةٍ من صفات الله تعالى يجب أن نفهمها على حقيقتها؛ لأنّها تكون في صفات الحوادث، فالصّفة بالنّسبة للإنسان تكون حسب أحواله فتقلّ مرّةً وتكثُر مرّةً، أمّا بالنّسبة لله سبحانه وتعالى فصفاته ثابتةٌ، وحينما نقول: غفورٌ أو غفّارٌ فهي مُبالغةٌ في المتعلَّق؛ أي كثرة من يتعلّق بهذه المغفرة؛ لأنّ صفات الله تبارك وتعالى كاملة.

الآية رقم (15) - ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ

﴿ذُو الْعَرْشِ﴾: كلّ ما هو غيبيٌّ علينا أن نؤمن به كما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى، فعندما يُذكَر العرش والكرسيّ والميزان واللّوح المحفوظ.. هذه غيبيّاتٌ نعرفها في السّماء، وحجّتنا فيها الإيمان والسّماع ممّن نثق بصدقه ونؤمن به، فهي مسألة بلاغٍ عن الله عزَّ وجل، لذلك يجب علينا ألّا نبحث في كيفيّتها؛ لأنّها فوق إدراكنا، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أنّ له عرشاً، لكن ما صفاته؟ ما كيفيّته؟ الله عزَّ وجل أعلم، وإدراك الأشياء ليس شرطاً في وجودها، فالمسألة تتعلّق بثقتك فيمن أخبرك والّذي أخبرنا هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، أمّا إذا كان لها نظيرٌ في الدّنيا فَخُذْ مُعطَيات النّظير وقِسْ عليه، وإن كنّا حتّى الآن مع تطوّر العلوم لا نستطيع أن نصف ماهيّة بعض الأشياء في حياتنا، كالكهرباء مثلاً، فكيف نطمع بوصف مثل هذه الغيبيّات المتعلّقة بالله سبحانه وتعالى؟

﴿الْمَجِيدُ﴾: هو وصفٌ واسمٌ من أسماء الله سبحانه وتعالى، بمعنى الواسع، وينشأ من هذه الصّفة العظمة، فهو المستحقّ للتّعظيم والتّمجيد، والمجد: سِعَة الأوصاف وعظمتها.

الآية رقم (16) - فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ

الكافر إن تمكّن من المؤمن في الدّنيا وأفلت من العقوبة، فلن يُفلِت من عذاب الله سبحانه وتعالى في الآخرة. والله عزَّ وجل هو الوحيد الفعّال لما يريد؛ لأنّه يملك المستقبل والغيب.

الآية رقم (17) - هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ

الحديث هنا لسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ﴾: هنا استفهامٌ يحمل معنى الإيجاب؛ أي قد أتاك هذا الخبر وعلمت به، فهو أمرٌ مشهورٌ يتداوله النّاس، وتتناقله السّير والأخبار، فهو ليس كلاماً جديداً.

﴿الْجُنُودِ﴾: جمع جنديّ، وهو مَن جنّد نفسه استعداداً للدّفاع والقتال والتّضحية.

الآية رقم (18) - فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ

بيّن معنى الجنود؛ أي قوم فرعون، وثمود قوم سيّدنا صالح عليه السَّلام ومن دقّة الأداء القرآنيّ أنّه أفرد فرعون، بينما ثمود اسم قبيلةٍ؛ أي ذكرهم بالجمع، وهذا يدلّنا على أنّ قبيلة ثمود كانوا مجمعين على عداء الرّسول صالح عليه السَّلام أمّا قوم فرعون فمنهم من آمن ولكنّه هو الّذي قاد عداء موسى عليه السَّلام وادّعى الألوهيّة والرّبوبيّة فصدّقه قومه وأطاعوه.

لكنّنا نلاحظ أنّ المكذّبين لرسول الله ولدعوته مع حرصهم على التّكذيب والمناوشة لم يمرّوا بهذه المسألة ولم يتحدّثوا عمّا جرى مع فرعون وثمود، وهذا يدلّ على أنّه أمرٌ معلومٌ لديهم، لكنّهم كتموا الحقّ وكذّبوا وعتوا عتوّاً كبيراً. واقتصر الله سبحانه وتعالى على ذكر الطّائفتين لاشتهار أمرهما عند أهل الكتاب وعند مُشركي العرب، ودلّ بهما على أمثالهما، فأين أنتم أيّها المكذّبون من قريش أمام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ أين أنتم من حضارة وتقدّم فرعون وثمود؟ انظروا ماذا حلّ بهم واعتبروا.

الآية رقم (8) - وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

هذه هي جريمتهم في نظر أهل الباطل والكفر، فما كرهوا منهم وما أنكروا عليهم إلّا إيمانهم بالله سبحانه وتعالى، وكان الجزاء على هذه الجريمة قذفهم في هذه الحفرة الّتي أوقدوا فيها ناراً ذات وقودٍ، والحقّ سبحانه وتعالى  يصوّر لنا هذا الموقف بأسلوبٍ بلاغيٍّ رائعٍ ومشهورٍ عند العرب، يسمّونه تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ، فكلمة: ﴿نَقَمُوا﴾ تعني أنكروا وكرهوا، والكراهية لا تكون إلّا لصفةٍ مذمومةٍ، لكن يُفاجئك السّياق القرآنيّ بصفةٍ محمودةٍ: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، كما تقول مثلاً: لا عيب في فلانٍ إلّا أنّه كريمٌ، فأنت تؤكّد على كرمه بهذا الأسلوب، وكما نقول: لم يجدوا في الورد عيباً فقالوا: يا أحمر الخدّين، وهل حمرة الخدّين عيبٌ؟! من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [التّوبة: من الآية 74]، فأهل الكفر والباطل وأصحاب الأخدود كرهوا أمراً ليس من الطّبيعة ولا من الفطرة أن يُكرَه، وهذا يدلّ على فساد عقليّتهم؛ لأنّهم عدّوا قمّة الخير ممّا يُكره، وكأنّ القرآن الكريم يُشير إلى أنّ هؤلاء الكافرين لو ذكروا صفات المؤمنين الّذين أحرقوهم، واستعرضوا سلوكيّاتهم وأخلاقيّاتهم لما وجدوا فيها شيئاً يُنكَر عليهم، فلماذا ألقوهم في النّار؟ إنّه الطّغيان الّذي يحافظ على البطش والجبروت، فيرى العبوديّة لله سبحانه وتعالى مذمومةً.

الآية رقم (19) - بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ

فقد كذّبوا من قبل بدعوة الرّسل، وإن اختلف الزّمان والمكان فهدفهم واحدٌ، فهم لا يزالون مستمرّين بالتّكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات ولا العظات.

الآية رقم (9) - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

غلبة الله سبحانه وتعالى حقٌّ، وهي واضحةٌ ومُشاهدةٌ في مَلَكوت السّماوات والأرض، يشهد بها الكافر بالله سبحانه وتعالى والمؤمن.

﴿وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: جاء المولى سبحانه وتعالى بهذا التّعبير في جملةٍ مستقلّةٍ عمّا قبلها، ولم يذكر الضّمير حتّى لا يحتاج إلى مرجعٍ، فلم يقل: (وهو على كلّ شيءٍ شهيدٍ)، وقد جاء في صدر السّورة: ﴿وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾، وهنا جاء ما يُناسب هذا القول بأنّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ، فعليكم أن تنتبهوا أيّها الطّغاة، فكما شاهدتم منظر المؤمنين وأنتم تلقونهم في الأخدود اعلموا أنّه شهيدٌ على كلّ ما فعلتم.

﴿شَهِيدٌ﴾: على وزن فعيل، وهي من صيغ المبالغة، لها معنيان: المعنى الأوّل: شاهدٌ لا يغيب عنه شيءٌ، والثّاني: شاهدٌ لمن لا شهيد له من المظلومين الّذين تعرّضوا للظّلم الخفيّ، كأصحاب الأخدود الّذين أخفوا ظلمهم عن أعين النّاس فليحذروا عين الله جلَّ جلاله الشّاهد الّذي لا يغيب عنه شيءٌ.

الآية رقم (20) - وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ

﴿مُّحِيطٌ﴾: الله سبحانه وتعالى محيطٌ بهم الإحاطة الكاملة الّتي لا يستطيع أحدٌ أن يتخلّف ولا أن يفلت من عقابه جلَّ جلاله.

الآية رقم (10) - إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ

لا توجد عند الله سبحانه وتعالى  عداوةٌ دائمةٌ مهما فعل العبد، فهو خالق الأشياء والأفعال، لا تنفعه طاعةٌ ولا تضرّه معصيةٌ، يقبل توبة التّائبين ويغفر للمذنبين، ولو أغلَق باب التّوبة في وجوه النّاس لتمادوا في المعاصي والجرائم، وفقدوا الأمل في النّجاة، حتّى الطّغاة فتح لهم باب التّوبة بعد أن فتنوا المؤمنين والمؤمنات؛ لأنّه سبحانه وتعالى  لا يريد استمرار الظّلم والكفر والطّغيان، فالتّوبة تجبّ ما قبلها، ولنتأمّل هنا دقّة الأداء القرآنيّ في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾، فالحريق لونٌ من ألوان العذاب في جهنّم، لكنّه سبحانه وتعالى خصّه بالذّكر ليكون مقابل النّار الّتي أشعلوها بالأخدود وألقوا فيها المؤمنين، والجزاء من جنس العمل، وإن كانت هذه الآيات نزلت في أصحاب الأخدود فالله سبحانه وتعالى أخبر أنّهم لم يتوبوا وماتوا على ذلك، وكأنّ هذه الآية تلميحٌ للمعاصرين لسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقضيّة حقٍّ يطلقها الله سبحانه وتعالى في كلّ زمانٍ ومكانٍ قضيّةً إيمانيّةً، وقانوناً إلهيّاً.

الآية رقم (21) - بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ

﴿قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾: دلّ ذلك على أنّ التّكذيب كان في القرآن الكريم وفيما يحدّث عنه لكونه من عند الله سبحانه وتعالى، والقرآن الكريم هو الحقّ والصّدق وسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صادقٌ في البلاغ عن الله عزَّ وجل.

الآية رقم (1) - وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ

بدأت سورة (البروج) بالقَسَم شأنها كشأن باقي السّور في هذا الجزء، حيث أقسم الحقّ سبحانه وتعالى بالسّماء وما فيها من البروج.

﴿الْبُرُوجِ﴾: جمع برج، من بَرَج: بمعنى ظهر وارتفع. وقد يراد بها: إمّا: أجرام النّجوم الهائلة، وكأنها بروج السّماء الضّخمة؛ أي قصورها المبنيّة، أو: قد تكون المنازل الّتي تنتقل فيها تلك الأجرام أثناء دورانها.

بروج السّماء لها آثارها في النّظام الكونيّ وسنن الوجود، وهذا شيءٌ مشهودٌ للنّاس.

الآية رقم (2) - وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ

يوم القيامة، وهو غيبيٌّ، فكأنّ الحق سبحانه وتعالى استشهد بعظمة خلقه بالسّماء ذات البروج وإبداعه في أمرٍ مُشَاهدٍ.

الآية رقم (3) - وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

قال العلماء: الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، يشهده النّاس وتشهده الملائكة.

ثمّ يأتي جواب القَسَم ليُصوَّر لنا حادثةً من حوادث الصّراع الدّائم والأزليّ بين الإيمان والكفر وبين الحقّ والباطل.

الآية رقم (4) - قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ

قصّة أصحاب الأخدود معروفةٌ، وهي نموذجٌ للصّراع الأبديّ بين الحقّ والباطل.

﴿الْأُخْدُودِ﴾: حفرةٌ عظيمةٌ في الأرض، حفرها أهل الباطل والكفر لأهل الإيمان.

الآية رقم (5) - النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ

أضرموا فيها النّيران وألقوا بالمؤمنين على مرأى ومسمعٍ من أهل الباطل والكفر، وقد وردت قصّة أصحاب الأخدود في كثيرٍ من السّير فقد ورد عن ابن عبّاس رضي الله عنهما بأنّ المؤمنين هم نصارى نجران، والمهمّ هو التّوظيف الإيمانيّ لهذه القصّة، ما هو فعل أهل الباطل وما هو فعل أهل الحق والخير؟ فقد أراد الله سبحانه وتعالى  أن يصوّر لنا مبادئ الصّراع، فالإيمان ثابتٌ في قلوب أهله لا يتزعزع، والباطل والكفر مغرورٌ بقوّته، مفتونٌ بضعف المؤمنين، وموقف الطّغاة مع المؤمنين المستضعفين موقفٌ لا يقرّه العقل ولا ترضى به الفطرة السّليمة، فضلاً عن الدّين والشّرع، والصّراع بين الحقّ والباطل صراعٌ لا يطول؛ لأنّ الباطل زهوقٌ، وسرعان ما ينحدر أمام قوّة الحقّ وثباته، وهناك صورةٌ ثانيةٌ: وهي أن يكون الصّراع بين حقٍّ وحقٍّ، وهي صورةٌ لا وجود لها في الواقع؛ لأنّ الحقّ واحدٌ، ولا توجد قضيّةٌ واحدةٌ فيها حقّان يتصارعان، وإن بدا غير ذلك، لذلك قد نجد صراعاً بين قوّتين نتوهّم للوهلة الأوّلى أنّ كلّاً منهما على حقٍّ، لكن عند التّدقيق لا بدّ أن يظهر لنا أنّ واحدةً منهما على باطلٍ، والصّورة الثّالثة: أن يكون الصّراع بين باطلٍ وباطلٍ، فهذا الصّراع يمتدّ ويطول، فالله سبحانه وتعالى لا ينصر هذا ولا هذا، وتكون النّتائج وفق القِوى.