الآية رقم (6) - يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ

يتّجه السّياق القرآنيّ إلى مخاطبة جنس الإنسان الّذي كرّمه الله سبحانه وسخّر له هذا الكون كلّه وجعله خليفةً.

كيف يكدح الإنسان إلى ربّه؟ سبق في سورة (الانفطار) بعد أن تحدّث سبحانه وتعالى عن انفطار السّماء وانتثار الكواكب وتفجير البحار وتبعثر القبور خاطب الإنسان قال: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار]، وهنا يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾؛ لأنّ الإنسان هو محور هذا الكون وهدفه، ففي الموضعين جمع بين جنس الإنسان وبين صفة الرّبوبيّة، كأنّه سبحانه وتعالى  يُريد أن يتحنّن على عباده فيُخاطبهم بهذا الأسلوب الرّقيق:

﴿كَادِحٌ﴾: الكدح السّعي والعمل ومجاهدة النّفس للوصول إلى الغاية، والسّعي الّذي يسمّى كدحاً هو السّعي الّذي يتّسم بالمشقّة حتّى يترك أثره الملحوظ في صاحبه نتيجةً للإجهاد والتّعب، فالحقّ سبحانه وتعالى هنا يُخاطب الإنسان عموماً، سواء كان مؤمناً أم كافراً، يقول له: أنت لا محالة سائرٌ بعملك إلى غايةٍ واحدةٍ لا غاية لك سواها، إنّك سائرٌ إلى ربّك من مولدك إلى مماتك، وأثمن ما لديك في هذه الرّحلة هو العمل الّذي تُقبل به على ربّك عزَّ وجل.

الآية رقم (7) - فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ

وهم أهل الطّاعة.

الآية رقم (8) - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا

﴿حِسَابًا يَسِيرًا﴾: سهلاً هيّناً.

الآية رقم (9) - وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا

يعود إليهم مسروراً.

تفسير سورة الانشقاق

تتّفق هذه السّورة العظيمة مع سورتي (التّكوير) و(الانفطار) بأنّها تبدأ بمجموعةٍ من الجمل الشّرطيّة، ففي (الانفطار) كان جواب الشّرط: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار]، بينما هنا بعد الشّرط جاء مباشرةً قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، لم يذكر جواباً للشّرط؛ لأنّنا استغنينا بجواب الشّرط السّابق في سورتَي (التّكوير) و(الانفطار)، فما ذُكِرَ سابقاً أغنى عن إعادة المعنى، هذا أسلوبٌ في الأداء القرآنيّ العظيم يفسح المجال للتّأمّل ويُعطي العقل فرصةً ليتدبّر ويتمعّن في المعنى ويستنبط بنفسه، فالمعنى موطنٌ من مواطن الإثارة العقليّة، فقد جعل الله سبحانه وتعالى  شرطاً في السّورتين السّابقتين ممّا أعطانا صورةً كاملةً لما يحدث في يوم القيامة من دماٍر وانقلابٍ كونيٍّ هائلٍ، فنذكر نحن الجواب ونُعمل فيه العقول ونذهب فيه بالتّأويل لمذاهب شتّى، فنفهم من هذا بأنّها تحدّد صورة الحقيقة وإن كانت مبهمةً، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، فإذا السّماء انشقّت وإذا… يأخذ المؤمن كتابه بيمينه ويُحاسب حساباً يسيراً، ويأخذ الكافر كتابه وراء ظهره ويُحاسب حساباً عسيراً.

الآية رقم (1) - إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ

ذكر الله سبحانه وتعالى الانشقاق في آياتٍ أخرى فقال جلَّ جلاله: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ﴾ [الفرقان: من الآية 25]، فهي حقيقةٌ كونيّةٌ نؤمن بها، وهي كائنةٌ يوم القيامة لكن لا نعرف كيف، المهمّ أن نؤمن بأنّ هذه السّماء ستخرج عمّا ألفناه وتنتهي إلى أمرٍ لم نعهده، بل الكون كلّه سيخرج عن رتابته ونظامه الّذي نعرفه.