الآية رقم (32) - وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ

يتّهمون المؤمنين بالضّلال؛ لأنّ مقياس أهل الشّرك هو ترك دين الآباء والأجداد.

الآية رقم (33) - وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ

وما أرسل الكفّار على المؤمنين حافظين: يحفظون أعمالهم ويشهدون برشدهم أو بضلالهم، ولا كلِّفوا بتقدير مآلهم وحالهم، بل أُمِروا بإصلاح أنفسهم فاشتغالهم بذلك أولى من تتبّع غيرهم.

الآية رقم (23) - عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ

يعدّد سبحانه وتعالى مظاهر النّعيم، وأوّل هذه المظاهر: على الأرائك ينظرون، وقد قال المفسّرون: ﴿الْأَرَائِكِ﴾: جمع أريكة، وهي السّرير، هذا ما نعرفه في لغة البشر، أمّا الّذي في الجنّة فغيبٌ عنّا لم تره العيون، ولم يخطر على قلب بشرٍ؛ لذلك ليس له وجودٌ في اللّغة؛ لأنّ اللّفظ يوضع بعد وجود المعنى، لذلك فإنّ القرآن الكريم قال في وصف الجنّة: ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الرّعد: من الآية 35]، يقرّب للأذهان بمثالٍ توضيحيٍّ، وقال سبحانه وتعالى : ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السّجدة]، وقد وصف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجنّة بقوله: «قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر»([1])، وقول الحقّ على الأرائك ينظرون يعطينا معنىً آخر: في الدّنيا قد تجلس على أرائك فاخرةٍ وتكون مهموماً بأيّ شيءٍ، مشغولاً عن النّعيم المحيط بك لا تشعر به، أمّا في الجنّة فليس هناك ما يشغل الإنسان عن النّعيم، بل يعيش فيه منصرفاً إليه.

 


(([1] صحيح البخاريّ: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنّة وأنّها مخلوقة، الحديث رقم (3072).

الآية رقم (34) - فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ

﴿فَالْيَوْمَ﴾: أي يوم القيامة.

﴿الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾: فالجزاء من جنس العمل، واحدةٌ بواحدةٍ، مع الفارق الشّاسع بين من يضحك ويسخر في الدّنيا وبين من يضحك في الآخرة، فالدّنيا موقوتةٌ زائلةٌ.

الآية رقم (24) - تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ

النّعيم يظهر على وجوههم ويسمّونه النّعيم الّذي ينضح؛ أي يظهر على وجه صاحبه، وبهجة الوجه هي المرآة المعبّرة عمّا في النّفس.

الآية رقم (35) - عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ

هذا تطييبٌ لخواطر المؤمنين وهم على الأرائك في الجنّة ينظرون إلى الكفّار وما فعل الله سبحانه وتعالى بهم، كي يطمئن المؤمن لما تعرّض له من استهزاءٍ في الدّنيا.

الآية رقم (25) - يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ

لم يقل: (يشربون)؛ لأنّ هناك مَن يسقيهم كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ﴾  [الواقعة].

﴿رَّحِيقٍ﴾: هو كلّ شرابٍ لا غشّ فيه.

﴿مَّخْتُومٍ﴾: أي خُتِمَت ومُنِعَت عن أن يمسَّها ماسٌّ إلى أن يفكّ خِتامها الأبرار.

الآية رقم (36) - هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ

هل عوقب الكفّار بالآخرة على ما كانوا يفعلونه بالدّنيا من الاستهزاء بالمؤمنين؟

﴿ثُوِّبَ﴾: رجع: أي ما يرجع على العبد مقابل عمله.

الآية رقم (26) - خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ

﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾: والختام من كلّ شيءٍ آخره، يجد الشّارب عند نهاية شربه المسك.

﴿وَفِي ذَٰلِكَ﴾: التّنافس يكون في ذلك، وهذا ليس من باب الحسد، إنّما التّنافس في الخيرات للوصول إلى هذا اليوم الّذي تحدّث عنه المولى سبحانه وتعالى .

الآية رقم (27) - وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ

﴿وَمِزَاجُهُ﴾: أي ما يُخلَط به الشّراب.

﴿تَسْنِيمٍ﴾: أي من شرابٍ عالي المنزلة شريف، وكلمة تسنيمٍ مأخوذةٌ من سَنام الشّيء، وهو أعلى مكانٍ فيه، ومنه سَنام البعير، فالـمُراد أنّ خمر الآخرة يختلف عن الخمر الّذي في الدّنيا فهو أعلى شرابٍ في الجنّة.

الآية رقم (28) - عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ

﴿عَيْنًا﴾: عينٌ تتفجّر من أعلى الجنّة، ونحن نعرف أنّ عين الماء تأتي من الأسفل، أمّا هذه العين فتأتي من أعلى.

﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾: لا نشرب منها بل نشرب بها، هكذا يقول القرآن الكريم فكأنّ الظّرف هو عين المظروف، هذه الصّورة عجيبةٌ لا نستطيع أن نتخيّلها، فهي بعيدةٌ عمّا نراه في الدّنيا، فلا تظنّ أنّ خمر الآخرة كخمر الدّنيا.

الآية رقم (29) - إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ

عرض علينا صورةً من الإيذاء المادّيّ لمسألة تطفيف الكيل والميزان، وما يحدث من سيطرة أصحاب الجاه على الضّعفاء في أقواتهم ولقمة عيشهم، وهنا يعرض علينا الإيذاء النّفسيّ المعنويّ:

﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾: أي الّذين كفروا وأشركوا بالله سبحانه وتعالى.

﴿كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾: ضحكٌ واستهزاءٌ وسخريةٌ واستعلاءٌ بالباطل وتبجّحٌ في وجه الحقّ، هذا الأسلوب الّذي بيّنه المولى سبحانه وتعالى لنعرف أنّ جريمتهم العظمى هي خيانة الله سبحانه وتعالى .

﴿كَانُوا﴾: فعل ماضٍ انتهى زمانه.

﴿يَضْحَكُونَ﴾: فعلٌ مضارعٌ، وكأنّ الفعل واقعٌ الآن، لم يقل: (إنّ الّذين أجرموا ضحكوا من الّذين آمنوا)، فقد استخدم الفعل المضارع استحضاراً لصورة الحالة وما كان فيها من إيلامٍ لنفوس المؤمنين.

الآية رقم (30) - وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ

﴿يَتَغَامَزُونَ﴾: الغمز يكون بالعين ومن طرفٍ خفيّ، وهي إشارةٌ تعني السّخرية.

الآية رقم (31) - وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ

﴿فَكِهِينَ﴾: مسرورين فرحين.

صورةٌ مشهديّةٌ وهم يتغامزون ويضحكون على المؤمنين.

الآية رقم (10) - وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ

﴿وَيْلٌ﴾: الويل الّذي استحقّه المطفِّفون هو الويل الّذي يستحقّه المكذّبون.

﴿يَوْمَئِذٍ﴾: أي يوم الدّين.

﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾: التّكذيب قولٌ يُخَالف الواقع ويقلب الحقائق، وهو على درجاتٍ، أعلاها وأشنعها أن تكذّب بالقمّة الإيمانيّة بأنّه لا إله إلّا الله جلّ وعلا، والتّكذيب باليوم الآخر هو تكذيبٌ بأحد أركان الإيمان.

الآية رقم (22) - إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ

﴿نَعِيمٍ﴾: النّعيم اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يَتنعَّم به الإنسان ويصل إلى مرحلة الرّضا، فلا يتمنّى زيادةً عليه، ونعيم الآخرة أولى بهذا الاسم من أيّ نعيمٍ آخر.

الآية رقم (11-12) - الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ

هذه جريمةٌ لا يجرؤ عليها إلّا كلّ معتدٍ أثيمٍ فاستحقّ الوصفين معاً:

﴿مُعْتَدٍ﴾: متجرّئٍ على الحقّ، متجاوزٍ للحدّ في اعتدائه، حيث يعتدي على دين الله سبحانه وتعالى وعلى شرعه.

﴿أَثِيمٍ﴾: صيغة مبالغةٍ دالّةٍ على مبالغةٍ في الإثم، فلم يقل: (آثم)، إنّما أثيم؛ أي تجرّأ على ارتكاب الذّنب وتمادى فيه وتعوّد عليه، حتّى أصبح الإثم بالنّسبة له مَلَكةً.

الآية رقم (13) - إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

فإذا ذكّرناه بهذا اليوم وما فيه من أهوالٍ ليرتدع كذّب بالآيات، بل ونفى النّصّ وقال: أساطير الأوّلين؛ أي حكايات وخرافات الأوائل سطروها وكتبوها في كتبهم ولا تمتّ للواقع بصلة.

﴿أَسَاطِيرُ﴾ : مشتقّةٌ من السّطر؛ أي الخطّ والكتابة.

الآية رقم (14) - كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ

﴿رَانَ﴾: الرّان: صدأٌ على القلوب، تكالبت المعاصي والذّنوب على القلوب فأعمتها، وعلى البصائر فطمستها، فصارت لا تعرف معروفاً ولا تُنكر مُنكراً، وهذه الحالة صوّرها النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض الأحاديث، فعن سيّدنا حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُوداً عُوداً، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادّاً كَالْكُوزِ مُجَخِّياً لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَراً إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»([1]).

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، الحديث رقم (144). أَسْوَدُ مُرْبَادّاً: شِدَّةُ البَيَاضِ فِي سَوَادٍ، الكُوزُ مُجَخِّياً: مَنْكُوساً.

الآية رقم (15) - كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ

قلوبهم مُلِئَت بالمعاصي والذّنوب، وحُجِبَت في الدّنيا عن الطّاعة، فكانت النّتيجة أنّهم حُجِبوا عن ربّهم عزَّ وجل في اليوم الآخر.