الآية رقم (60) - وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ

هذه الآية الكريمة تتحدّث عن الإعداد للقوّة لمواجهة الاعتداءات والعدوان.

(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم): المطلوب الإعداد على قدر الطّاقة لكلّ إنسانٍ، فالمطلوب أن تعدّ على قدر استطاعتك، وبعد ذلك يكون المدد ممّن له القوّة والنّصر،(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال: من الآية 10]، لكنّك في دنيا الأسباب فعليك أن تأخذ بالأسباب أوّلاً ولا بدّ من إعداد القوّة.

(مِّن قُوَّةٍ): المطلوب إعداد ما استطعتم ليس من القوّة، فلو قال: من القوّة، لاختلف المعنى لكنّه قال سبحانه وتعالى: ( مِّن قُوَّةٍ )، عندما نكّرها فإذاً أنواع القوى كلّها؛ الاقتصاديّة والإعلاميّة والاجتماعيّة والعسكريّة.

(وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ): عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وهو على المنبر يقول: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة، ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي»([1])، انظر إلى الإعجاز القرآنيّ فلو نظرنا إلى مسيرة الحياة البشريّة لوجدنا أنّ المعارك منذ القديم حتّى الآن تبدأ بالرّمي؛ أي من مكانٍ بعيدٍ، ففي عهد النّبيّ : كانت بالأسهم والرّماح وغيرهما، والآن أصبحت بالمدفعيّة والصّواريخ. فالقوّة الأساسيّة هي الرّمي، وبعد ذلك رباط الخيل؛ أي المدرّعات؛ لأنّ المدرّعة والسّيّارات تُقاس على الأحصنة. فإعجاز ترتيب المعارك الّذي بيّنه القرآن الكريم ما زال حتّى الآن، أوّلاً الرّمي ثمّ رباط الخيل الّتي تسير على الأرض.

الآية رقم (61) - وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا): الإسلام هو دين السّلام، فإن اتّجهوا ومالوا باتّجاه السّلم؛ أي السّلام فاجنح لها.

(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ ): لكن مع الجنوح لها عليك أن تتوكّل على الله سبحانه وتعالى؛ لأنّهم قد يبيّتون أمراً في السّرّ والخفاء، حتّى لا يكون هناك شائبةٌ بجنوحهم إلى السّلام فيكون ذلك احتيالاً.

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ): فالله سبحانه وتعالى هو السّميع العليم، يعلم ما تكنّ صدورهم.

الآية رقم (62) - وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ

قد يكون باطن هذه الدّعوات للسّلام خديعةً وتبييت مكرٍ في خفاء، فإن كان هذا هو قصدهم، فإنّ حسبك؛ أي كافيك الله سبحانه وتعالى، وما دام الله سبحانه وتعالى هو حسيب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فلن يصلوا إليه ولن يضرّوه ولن يكون هناك أيّ أذىً من خلال اتّجاهه باتّجاه السّلام، كما حدث في صلح الحديبية عندما سالم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم  قريشاً.

(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ): فالنّصر من عند الله سبحانه وتعالى، وكلّ هذه الإعدادات هي أخذٌ بالأسباب البشريّة، فلا يقولنّ قائلٌ: حسبي الله أنا متوكّلٌ عليه، ولا يأخذ بالأسباب، هذا مرفوضٌ في الإسلام، قال سبحانه وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ قال: «اعقلها وتوكّل»([1])، فإذاً تأخذ بالسّبب وتتكّل على المسبّب.

(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ): وهنا إستراتيجيّةٌ مُذهلةٌ، فنصر الله سبحانه وتعالى وحده كافٍ، فما له بالمؤمنين؟ فنصر الله سبحانه وتعالى يكون من غير أسبابٍ، فهو لا يحتاج لأحد سبحانه وتعالى، ووجود المؤمنين إلى جانب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو سببٌ من أسباب النّصر الّتي أمرنا الله سبحانه وتعالى باتّخاذها.


([1]) سنن التّرمذيّ: صفة القيامة والرّقائق والورع، الحديث رقم (2517).

الآية رقم (52) - كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ): الدّأب: هو العادة، يُقال: دؤوب على كذا؛ أي مُعتادٌ على كذا.

(وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ): ثمود وهود وقوم لوط وقوم نوح.

(كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ): ضرب الله سبحانه وتعالى المثل بآل فرعون؛ لأنّ الحضارة الفرعونيّة ما زالت باقيةً ماثلةً بين أيدينا، وشاهد عيانٍ على ما جرى من قوم فرعون من عتوٍّ وطغيان، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) [غافر]، فقد أخذهم الله سبحانه وتعالى بذنوبهم؛ لأنّه قويٌّ شديد العقاب.

الآية رقم (42) - إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ

هذه الآية تبيّن جغرافيّة معركة بدر.

(بِالْعُدْوَةِ): شاطئ الوادي وجانبه، وهو مكانٌ مرتفع.

(الدُّنْيَا): تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب؛ أي القريبة من المدينة.

(وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ): أي المشركون بالجانب الآخر الأبعد من المدينة.

(وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ): الرّكب؛ أي العير الّتي كانت تحمل بضائع قريش في مكانٍ أسفل من المكان الّذي أنتم فيه، بالقرب من ساحل البحر الأحمر.

(وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ): ولو كان ذلك عن ميعادٍ منكم ومنهم، ثمّ بلغكم كثرة عددهم وقلّة عددكم، ما لقيتموهم.

(وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا): هذا التّرتيب واللّقاء تمّ ليقضي الله سبحانه وتعالى أمراً كان مفعولاً، والله سبحانه وتعالى قادرٌ على كلّ شيء، إذا قال للشّيء: كن، فيكون، وهو فعّالٌ لما يريد، وأمر الله سبحانه وتعالى هنا أن يتمّ اللّقاء المسلّح للمرّة الأولى بين الفئة المؤمنة والفئة المشركة في بدر.

(لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ): ليس المقصود هنا الموت والحياة بالشّكل العاديّ، وإنّما الحياة والموت المعنويّان.

(لِّيَهْلِكَ): أي ليهلك في طغيانه وفي إشراكه، لذلك فصلت ما بين القوم المؤمنين والقوم الكافرين، وكانت الأمور بيّنةً واضحة.

الآية رقم (43) - إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ): وهذا ما يُسمّى الإعداد النّفسيّ، فالله سبحانه وتعالى أرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : في منامه أنّ عدد المشركين قليلٌ، مع أنّهم أكثر بثلاثة أضعاف.

(وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ): سيكون هناك وهنٌ وضعفٌ؛ بأنّهم لن يستطيعوا أن يواجهوا هذه الأعداد كلّها وهذه القوّة والسّلاح؛ لأنّهم فئةٌ قليلةٌ لا تملك شيئاً في مواجهة الفئة المدعّمة بكلّ شيء، فإذاً لو أراهم الله سبحانه وتعالى حقيقة عدوّهم لكان هناك فشلٌ وتنازعٌ في الأمر.

(وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ): هو عليمٌ بذات الصّدور، أي بداخل الصّدور، فهو يعلم السّرّ وأخفى، وقد أراد سبحانه وتعالى أن يسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: والمؤمنين معه فكان هذا من باب الإعداد النّفسيّ لهذه الموقعة، وقد أراد سبحانه وتعالى أن يصوّر لنا الجوّ الّذي كان لأوّل لقاءٍ وصدامٍ بين الحقّ والباطل.

الآية رقم (44) - وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ

يتابع المولى سبحانه وتعالى ما امتنّ به على رسوله الكريم وعلى المؤمنين من عطاءٍ قبل هذه الموقعة وأثناءها وبعدها، وقد سمّاها المولى سبحانه وتعالى موقعة الفرقان، فالله سبحانه وتعالى أرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: والمؤمنين معه عند اللّقاء أنّ عدد المشركين قليلٌ، والحقيقة هم كانوا ثلاثة أضعافٍ، وذلك لتقويّة الرّوح المعنويّة لدى المؤمنين، حتّى يروا أنّهم يستطيعون أن يجابهوهم ويحاربوهم وينتصروا عليهم، وكذلك قلّل الله سبحانه وتعالى عدد المؤمنين الّذين كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : في أعين المشركين، فمع أنّهم كانوا قلّةً قرابة ثلاثمئةٍ إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى جعل هذه القلّة في أعين المشركين أقلّ من الواقع، حتّى يشعر المشركون بالارتياح والزّهو بأنّهم سينتصرون، فهذه من الإعدادات الّتي أعدّها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين.

(لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ): الأمر المفعول هو أن يتمّ اللّقاء وتتمّ موقعة بدر، فالأمر هو ألّا تكون القضيّة قضيّة العير، وإنّما أن تكون هي النّفير.

(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ): الأمور جمع أمر، ولا يتمّ أمرٌ من الأمور صغيرٌ أو كبيرٌ إلّا إلى الله سبحانه وتعالى مرجعه.

الآية رقم (45) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ

ذِكرُ الله سبحانه وتعالى هو عُمدةٌ بالنّسبة للمؤمن وعليه أن يأخذ بالأسباب، فعليه أن يثبت ويواجه ويكون على أكمل وجهٍ من الاستعداد والشّجاعة والصّبر، مع ذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه هو النّاصر.

(لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ): ولن يكون الفلاح والفوز إلّا للمؤمنين.

الآية رقم (46) - وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ): يكرّر الله سبحانه وتعالى هذا الأمر في كثيرٍ من الآيات والمواقف، وهو طاعة الله سبحانه وتعالى في كلّ ما أمر، وطاعة الرّسول الكريم: في كلّ ما بيّن ووضّح وجاء به من أوامر تفصيليّة، وطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: هي من باطن طاعة الله سبحانه وتعالى.

(وَلَا تَنَازَعُوا): هنا أمرٌ مهمٌّ جدّاً لبيان موضوع قوّة الإيمان وقوّة المؤمنين، فالإسلام دائماً يدعو إلى وحدة الصّفّ، وإلى عدم وجود المشاحنات والتّنازع؛ لأنّها تهدر طاقات الأمّة، قال سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ) [آل عمران: من الآية 103]، وانعدام الخلافات والنّزاعات والمشاحنات أساسٌ لتحقيق الانتصار، فالانتصار لا يتحقّق إلّا إذا كان النّاس على قلب رجلٍ واحدٍ وبرأيٍ واحدٍ وهدفٍ واحدٍ، فهذه عدّة الانتصار، فإن تنازعوا فشلوا وهزموا.

(وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ): أي قوّتكم، فالرّيح تعبيرٌ عن القوّة، وأيضاً تُطلق الرّيح على الرّائحة، فلكلّ إنسان رائحةٌ خاصّةٌ به، وهناك كلابٌ مدرّبةٌ تميّز كلّ إنسانٍ عن الآخر من خلال رائحته الخاصّة، وقد مكّن الله تعالى يعقوب عليه السّلام من أن يشمّ رائحة يوسف عليه السّلام على بُعد المسافات: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ) [يوسف].

وقد يكون معنى: (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ ) أي: يذهب أثركم وقوّتكم بسبب التّنازع والخلافات.

الآية رقم (47) - وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

يخاطب المؤمنين ألّا يكونوا كمشركي قريش الّذين خرجوا من ديارهم لمقاتلة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: في المدينة المنوّرة مع أنّ أبا سفيان نجا بالعير، لكنّهم أبَوا الرّجوع تكبّراً ورياءً ولتسمع القبائل العربيّة بجمعهم فلا يزالون يهابونهم كما قال أبو جهل، وحتّى يهزموا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فيضعوا صدّاً وحاجزاً بين بقيّة القبائل العربيّة وبين الإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم :

(وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ): الله سبحانه وتعالى مطّلعٌ على أعمالهم وعلى سرائرهم، فهم كادوا وخرجوا بمظاهرةٍ ضلاليّةٍ للتّكبّر والسّمعة والصّدّ عن سبيل الله سبحانه وتعالى فكانت النّتيجة هي الهزيمة لهم والنّصر العزيز للمسلمين، وانتشر الإسلام ودخلت القبائل العربيّة في دين الله سبحانه وتعالى أفواجاً، على عكس ما كانوا يتصوّرون.

الآية رقم (48) - وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ

عمل الشّيطان التّزيين فلا يستطيع الشّيطان أن يعطيك القوّة والنّصر وإنّما يوسوس فقط.

(وَإِذْ زَيَّنَ): أي أغواهم.

(وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ): لأنّ الشّيطان ليس له إلّا الكلام،( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ]إبراهيم: من الآية 22[، وعدتكم كلاماً فقط.

(وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ): أي: إنّني معكم أمدّكم وأقوّيكم، وسأكون إلى جانبكم في هذه المعركة.

(فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ): أي: أصبحت فئة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: في بدرٍ وفئة المشركين يرون بعضهم بعضاً مباشرةً واحتدم الأمر وبدأت المعركة.

الآية رقم (49) - إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

أخطر داءٍ يصيب المجتمعات هو داء النّفاق، وهو داءٌ خطيرٌ عضال، العدوّ تراه وتعرفه، أمّا المنافق فيكون داخل الجسد، والمنافق بشكلٍ عامٍّ لديه تعارضٌ وتصارعٌ في الملكات الدّاخليّة؛ لأنّه يقول غير ما يُبطِن، ويُظهر غير ما يُخفي، وقد ظهر النّفاق في المدينة المنوّرة ولم يظهر في مكّة؛ لأنّ المسلمين كانوا قلّةً ومضطهدين، فلا يحتاج أحدٌ أن ينافقهم، أمّا عندما قويت شوكتهم، وخصوصاً بعد انتصارهم في غزوة بدر فقد أصبح النّفاق كثيراً، والمنافقون موجودين في كلّ مكانٍ، وقد بيّن القرآن الكريم في ثلاث عشرة آيةٍ في بداية سورة (البقرة) صفات المنافقين، وذكرهم في سورٍ أخرى، وبيّن مصيرهم يوم القيامة بقوله جلّ جلاله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [ النّساء]، وقد كان ابن سلول يقود حركة النّفاق في المدينة المنوّرة، فأصبح هؤلاء المنافقون يعملون على محاولة إضعاف الجسد الدّاخليّ للمؤمنين، فعندما انتصر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : قالوا: (غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ)، فبماذا سيغترّون؟ المؤمنون لم يغترّوا، فهم يعلمون أنّ النّصر من عند الله سبحانه وتعالى، وهم لا حول لهم ولا قوّة، لذلك أتبع الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) هم توكّلوا على الله عزّ وجلّ حقّ التّوكّل، والعزيز هو الغالب الّذي لا يُغلب، المستغني عن خلقه، والحكيم هو الّذي يضع الأمور في نصابها، فبعد النّصر العزيز المؤزّر واجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمؤمنون في تلك المرحلة حركة النّفاق الكبيرة في المجتمع.

جاءت كلمة نفاق من نافق اليربوع؛ أي دخل في النّافقاء، واليربوع عبارةٌ عن حيوانٍ يتّخذ عدّة مسالك وطرقٍ وأنفاق فيهرب من هنا ويهرب من هنا.. وهكذا، ومنه أُخذت كلمة المنافق وهو الّذي يُظهِر غير ما يبطن.

الآية رقم (50) - وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ

(وَلَوْ تَرَىٰ): يخاطب المولى سبحانه وتعالى نبيّه الكريم ولو ترى يا محمّد.

(إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ): حذف سبحانه وتعالى جواب (لو) ولم يبيّنه تاركاً لخيال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ولخيال النّاس أن يتصوّروا هذا الموقف وهذا العذاب الأليم، ولحظة النّزع الأخير وما تقوم به ملائكة الموت عند إخراج روح الكافر.

(يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ): وهنا يذهب تصوّر الإنسان كلَّ مذهب؛ لأنّه لا يستطيع أن يتصوّر هذا الموقف، وكيف أنّ ملائكة الموت تضرب الوجوه والظّهور لهؤلاء المشركين.

(وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ): بعد هذا العذاب سيكون عذاب النّار وبئس المصير.

الآية رقم (51) - ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ

(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ): ذلك: اسم إشارةٍ؛ أي أنّ الضّرب وقت الوفاة وعذاب الحريق بسبب ما قدّمت أيديكم، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) [النّجم]. والإشارة إلى اليدين هي إشارةٌ إلى الأعمال وما يقدّمه الإنسان منها.

(وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ): الّذين لا يفهمون روح اللّغة العربيّة يظنّون ظلّام صيغة مبالغة على وزن (فعّال)؛ أي أنّه سبحانه وتعالى نفى أنّه كثير الظّلم ولم ينف القليل، وهذا فهمٌ خاطئٌ لمعاني اللّغة العربيّة؛ لأنّه لم يقل هنا: ظلّامٌ للعبد، إنّما قال: للعبيد، أي أنّها تشمل العدد الكبير من جرّاء ظلمهم، فجاء بكلمة: (لَيْسَ بِظَلَّامٍ)؛ لتشمل الأعداد من النّاس كلّهم الّذين كفروا وأنكروا وعتوا واستكبروا على الله سبحانه وتعالى وهو سبحانه وتعالى لا يظلم النّاس مثقال ذرّة.

الآية رقم (41) - وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم): إنّ وَعْدَ الله سبحانه وتعالى بالغنائم تأكيدٌ للنّصر.

(فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ): الخُمس لله سبحانه وتعالى وللرسول الكريم توزّع على قرابة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: كما قال بعض العلماء، وتوزّع على اليتامى والمساكين وابن السّبيل، وهي المصارف الّتي بيّنها الله سبحانه وتعالى لتوزيع الغنائم.

(إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ): فتوزيع الغنائم بالطّريقة الّتي أمر الله سبحانه وتعالى جزءٌ من الإيمان به.

(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ): وما أنزلنا على عبدنا من آياتٍ قرآنيّةٍ ومن بيانٍ ونصرٍ يوم الفرقان، وهو اليوم الّذي فرّق الله سبحانه وتعالى به بين الحقّ والباطل، وهو يوم بدر.

(يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ): الجمعان هما جمع المؤمنين الّذي كان يقوده النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: على رأس ثلاثمئةٍ من أصحابه، وجمع الكفّار الّذي كان يقوده أبو جهلٍ وأبو سفيان في أكثر من ألفٍ من مشركي قريش بعتادهم كلّه.

الآية رقم (35) - وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ

﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾: تصفيقٌ وتصفيرٌ.

﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾: العذاب لا يكون إلّا لمن أشرك بالله سبحانه وتعالى  وكفر به، ولا بدّ من ثوابٍ للمؤمن والطّائع، ولا بدّ من عقابٍ للمشرك الّذي أبى واستكبر وكان من الكافرين.

الآية رقم (36) - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

ما زالت الآيات تتحدّث عن مشركي مكّة وعمّا جرى في موقعة بدر الكبرى، وكما قلنا: الآيات القرآنيّة لها خصوصيّة سببٍ وعموميّة معنى.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: هناك تغذيةٌ من قِبل المشركين لوقوفهم في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين من خلال إنفاقهم للمال؛ ليصدّوا عن سبيل الله سبحانه وتعالى، وجمعهم للعتاد، ولكلّ ما يحتاجون إليه في مواجهة الحقّ، فالوقوف أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صدٌّ عن سبيل الله جلّ جلاله؛ لأنّ سبيل الله سبحانه وتعالى هو سبيل الحقّ، وهو الصّراط المستقيم، وسبيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا﴾: هذا إخبارٌ عن المستقبل، صحيحٌ أنّ كفّار قريش أنفقوا الأموال من أجل الوقوف والصّدّ عن دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لكن في المستقبل وفي كلّ وقت من الأوقات ستجد أعداءً، وستجد مَن يحشد من خلال أمواله وكلّ ما يملكه في سبيل الوقوف في وجه الحقّ.

الآية رقم (37) - لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

عندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، إذاً هناك اختبارٌ وتمحيصٌ وتصفيةٌ لعنصر الإيمان، وهذه طبيعة الحياة الدّنيا، لا بدّ من وجود اللّيل مقابل النّهار، ومن وجود الباطل مقابل الحقّ، ومن وجود الشّرّ مقابل الخير، هذه سنّة الله سبحانه وتعالى، فإذاً التّمحيص والاختبارات الّتي تتمّ للمؤمنين من خلال موقعة بدر هذه الموقعة العظيمة الّتي كانوا فيها فئةً قليلةً مستضعفين وواجهوا فئةً كثيرةً فيها قوّةٌ ومالٌ وهيلمان، إذاً هذه الأمور كلّها تتمّ لتمييز الخبيث من الطّيّب.

﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾: لأنّ الخبيث له ألوانٌ مختلفةٌ وأنواعٌ متعدّدةٌ، هذا خبيثٌ في كذا وهذا خبيثٌ في كذا، والخبث إنّما يدلّ على عناصر الشّرّ، فيركمه جميعاً؛ أي يتمّ تجميع كلّ هذه الخبائث، فيجعله الله سبحانه وتعالى في جهنّم.

﴿أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾؛ لأنّهم خسروا الحياة الدّنيا وخسروا النّتيجة والمآل ونتيجة الاختبار، فكان الخسران المبين.

الآية رقم (38) - قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ

هذه هي دعوة الخير، وهي دعوةٌ للاستغفار والتّوبة، وباب التّوبة مفتوحٌ في الإسلام على مصراعيه، وهي دعوةٌ متكرّرةٌ للكفّ عن الخطأ.

﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾: السّنّة هي الطّريقة أو الكيفيّة الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى  لمعالجة الأمور بالعدل، فقد مضت سنّة الأولّين حيث كان العذاب الّذي يعمّ الأقوام الّتي مرّت سابقاً، فإن عادوا إلى طغيانهم ووقوفهم في وجه الحقّ فإنّ الله سبحانه وتعالى يبيّن بأنّه قد مضت سنّة الأوّلين، وأنّ العذاب سيكون في الآخرة.

الآية رقم (39) - وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾: الأمر بالقتال ليس من أجل الدّعوة، ولم ينتشر الإسلام كما يدّعي بعضهم بالسّيف، ولم تفرض المبادئ والعقيدة الإسلاميّة بالقوّة، لكن عندما تكون هناك فتنةٌ واعتداءٌ فأنت مأمورٌ أن تقاتل المعتدين، ولم تؤمر أن تُقاتل المشركين، فالخلاف في العقائد ليس هو محلٌّ للقتال، وإنّما أساس القتال الاعتداء وإثارة الفتن.

﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾: لا يجوز أن تبقى عبادة الأوثان في مكة المكرّمة، وإنّما ينبغي أن يكون الدّين كلّه لله سبحانه وتعالى.

﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾: فإن انتهوا عن إشراكهم وعن عبادتهم للأوثان واعتدائهم فالله سبحانه وتعالى مطّلعٌ بصيرٌ بالأمور كلّها.