الآية رقم (3) - يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ

يظنّ أنّ ماله يعطيه الخُلد في الدّنيا فيطغى، وهذا تُعارضٌ مع الواقع، حيث نشاهد الموت في كلّ يومٍ فلا يُخلَّد إنسانٌ، ومن المعلوم أنّ المال عَرَضٌ يجيء ويذهب.

الآية رقم (4) - كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ

﴿كَلَّا﴾: تُفيد الزَّجر عن ظنِّه في ماله أنّه أخلده، فالمال لا يقدّم ولا يؤخّر، فهو متاعٌ زائلٌ، وظلٌّ حائلٌ، إن بقي عند صاحبه فصاحبه لن يبقى، لذلك قيل للإنسان الّذي جمع المال الكثير:

هَبْ أنّك قد ملكت الأرضَ طُرّاً
أليسَ غداً مصيرك جوف قبرٍ

ودانَ لك العباد فكان ماذا؟!
ويحثو التّرب هذا ثمّ هذا؟!

وهنا آخر موضعٍ من مواضع ﴿كَلَّا﴾ في القرآن.

بعد ذلك خُتمت الآية بنهايةٍ تُناسب بدايتها الّتي كانت بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَيْلٌ﴾، وقلنا: إنّها تهديدٌ من الله سبحانه وتعالى صاحب القدرة على الإنفاذ، وأنّ العبد لن يفلت.

﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾: النّبذ: أن تلقي الشّيء وتطرحه بمهانةٍ واستحقارٍ.

فكما كان يهمز النّاس ويلمزهم استحقاراً لهم واستخفافاً، يأتي الجزاء من جنس العمل، فيُلقى في الحطمة بنفس الاستخفاف والاحتقار.

﴿الْحُطَمَةِ﴾: تحطم كلّ ما يُلقى فيها وتلتهمه، على وزن هُمَزة لُمَزة وفيها معنىً الـمُبالغة في تحطيم كلّ ما يُلقى فيها.

الآية رقم (5) - وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ

وآخر موضع من مواضع ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ في القرآن.

والاستفهام في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾؟ يدلّ على التّهويل، وأنّه يجب علينا ألّا نقف عند المعنى اللّغويّ لـ ﴿الْحُطَمَةُ﴾ وإنّما الاصطلاحيّ.

الآية رقم (6) - نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ

ليست مُطلق النّار، بل هي نار الله سبحانه وتعالى، وكلّ نارٍ على الأرض هي من فعل الإنسان، أمّا أن تُنسَب النّار إلى الله سبحانه وتعالى فستكون مختلفةً؛ لأنّها على قدر صاحبها وإمكاناته في إشعالها وتوقّدها، والعياذ بالله، فمن شدّتها لا يستطيع أحدٌ أن يطفئها، فهي مشتعلةٌ ملتهبةٌ جاهزةٌ للالتهام.

الآية رقم (7) - الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ

تصل إلى الأفئدة والقلوب الّتي كانت مملوءةً بالحقد والحسد والبُغض الّذي أدّى إلى همز ولمز النّاس، ذكر الأفئدة هنا؛ لأنّ القلب مناط النّيّة في العمل، وأعمال الجوارح كلّها تابعةٌ لما استقرّ في القلب.

الآية رقم (8) - إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ

﴿مُؤْصَدَةٌ﴾: مُغلقةٌ، لا يفكّر أحدٌ بالفرار منها، فكما أغلق الخزائن على الأموال تُغلق عليه النّار، وكما كان أمله في المال طويلاً، وأنّه سيخلّده، كانت أعمدة النّار المؤصدة عليه ممدّدةً وطويلةً.

الآية رقم (9) - فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ

أعمدةٌ طويلةٌ تُغلق وتوصد عليه، لا مفرّ ولا مهرب، وفي هذا تيئيسٌ لأهلها من النّجاة، فالجزاء من جنس العمل، وكلّ وصفٍ من الذّنب يُناسبه وصفٌ من العذاب، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النّحل: من الآية 118].

تفسير سورة الهمزة

تنقلنا هذه السّورة إلى قيمةٍ أخرى من قِيم الحياة وهي المال، وهي قيمةٌ يُعتدّ بها في ظاهر الحياة، وفي السّورة إشارةٌ إلى أنّ المال قد يُغيّر صاحبه ويجعل موازينه للأمور تختلّ ونظرته تختلف فيُخطئ في التّقييم، فوجود المال وكثرته في يده يجعل موازينه تُعلي أموراً وتُهبِط أموراً، فقد يُعلي من قدر الأغنياء ويعدّ نفسه من ضمن مجتمعهم، ويحتقر الفقراء والمساكين، وإن كانوا من أهل الصّلاح والتّقوى، فأراد المولى سبحانه وتعالى أن يلفتنا إلى هذه المسألة.

الآية رقم (1) - وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ

﴿وَيْلٌ﴾: في اللّغة: تعني الهلاك، وفي المعنى الاصطلاحيّ: وادٍ في جهنّم، والمراد هنا المعنيان؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يتوعّد، والوعيد حين يكون من الله تعالى فهو حقٌّ وواقعٌ لا شكّ فيه، فهو سبحانه وتعالى قادرٌ على إنفاذه.

﴿لِكُلِّ﴾: دلّت على العموم، فالعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

﴿هُمَزَةٍ﴾: على وزن فُعَلة، تأتي بفتح الوسط أو ضمّه؛ أي يهمز ويعيب ما في الخلق، أو الخُلُق أو الحال الاجتماعيّ أو التّصرّفات.

﴿لُمَزَةٍ﴾: الّذي يعيب النّاس.

ما الفرق بينهما؟ الهمزة: الّذي يعيب النّاس علانيةً، واللّمزة: الّذي يعيب النّاس في الخفاء بالإشارة، أكان ذلك بالعين أم اللّسان، أم بتقليد حركةٍ، أم غير ذلك، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾؛ ليدلّل على أنّه يكثر من هذا السّلوك غير السّويّ حتّى أصبح طبعاً فيه، ثمّ يتابع في صفّة هذا الشّخص الّذي يتكلّم عن النّاس وينتقدهم وينظر إلى عيوبهم ويتتبّع عوراتهم.

الآية رقم (2) - الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ

﴿وَعَدَّدَهُ﴾: عدّه مرّةً بعد أخرى تلذُّذاً به، أو جعله عدّةً للنّوازل وحوادثِ الدّهر.

يعطينا الحيثيّة الّتي جعلته يفعل ذلك، وحملته على أن ينزل إلى هذا المستوى من الفُحش والإساءة للنّاس، ذلك من وراء المال؛ لأنّه مَلَك المال الكثير فانشغل به وبإحصائه، حتّى ظنّ نفسه أنّه فوق الجميع فراح يسخر من النّاس، وقد تكلّم العلماء في هذه المسألة هل نزلت في شخصٍ بعينه؟ أو هي حكمٌ عامٌّ؟ فالّذين قالوا: نزلت في شخصٍ بعينه قالوا: نزلت في أبي لهبٍ، والآخرون قالوا: نزلت في عامّة النّاس، حتّى لو كان سبب النّزول في أبي لهب فليس المهمّ فيمن نزلت، المهمّ انطلاق المبدأ ليستوعب أي شخصٍ موصوفٍ بهذه الأمور، ولا يهمّ بعد ذلك من هم الأشخاص ولا الأزمنة ولا الأمكنة.