الآية رقم (68) - أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ

هنا قال على لسان هود عليه السَّلام: ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾، بينما عند ذكر قصّة سيّدنا نوح عليه السَّلام قال: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾، وناصحٌ: والاسم يدلّ على الثّبات، أمّا أنصح فهو فعلٌ يدلّ على التّكرار؛ لأنّ نوحاً عليه السَّلام كما أخبرنا سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت].

الآية رقم (69) - أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾: يُقصد بالذّكر الرّسالة الّتي جاء بها هود عليه السَّلام.

﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾: فوظيفة كلّ رسولٍ البشارة والإنذار، ينذر من النّار ويبّشر بالجنّة.

﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾: إذاً أقرب قومٍ لنوحٍ عليه السَّلام هم قوم عاد.

﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾: هنا دخل أمرٌ جديدٌ فيما يتعلّق بجمال قوم هود، فقد أخبر سبحانه وتعالى أنّه زادهم في الخلق بسطةً، قيل: الطّويل منهم كان مئة ذراعٍ، والقصير كان ستّين ذراعاً، فقد كانوا خلقاً عظاماً طوالاً.

﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾: فاذكروا نعم الله سبحانه وتعالى عليكم.

﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾: الفلاح هو النّجاح.

الآية رقم (70) - قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

﴿قالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾: هم يريدون أن يعبدوا ما وجدوا عليه آباءهم، وهذا هو التّقليد الأعمى الّذي يتوارثه الأبناء عن الآباء من غير علمٍ ولا درايةٍ، وقد حارب القرآن الكريم التّقليد الأعمى.

﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾: فقد كان يعدهم نبيّهم بالعذاب إن أعرضوا عن دعوة الحقّ.

الآية رقم (71) - قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ

﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾: وقع: فعلٌ ماضٍ، الله سبحانه وتعالى وعد بأنّه سيقع عليهم، وهو لم يقع بعد، بل كأنّه وقع، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النّحل: من الآية 1]، كيف يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَتَىٰ ﴾، ويقول بعدها: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾؟ الجواب: لأنّ الله سبحانه وتعالى بمجرّد أنّه وعد فقد تحققّ ما وعد به، لذلك عندما قال سيّدنا هود عليه السَّلام هنا: ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾، هو لم يقع بعد، لكنّ وعد الله تبارك وتعالى واقعٌ لا محالة إذا لم تؤمنوا وتعبدوا الله سبحانه وتعالى.

﴿رِجْسٌ﴾: من القذارة.

﴿وَغَضَبٌ﴾: غضبٌ من الله سبحانه وتعالى عليكم.

﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ﴾: تمارون وتماحكون وتجادلون في أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم للآلهة.

﴿مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾: سلطانٌ: أي دليلٌ، فليس هناك أيّ دليلٍ على ما تقولون.

﴿فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾: ستجدون ما وعدتكم به من عذابٍ.

الآية رقم (72) - فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ

عندما رفضوا الإيمان أصابهم قحطٌ شديدٌ، فجاءت غيمةٌ سوداء عظيمةٌ

فوق أرضهم، قال سبحانه وتعالى:﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌتُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأحقاف]، فإذ بهذه الغيمة السّوداء فيها ريحٌ عظيمةٌ وريحٌ صرصرٌ عاتيةٌ، ووقع عليهم العذاب من ربّهم فلا يرى إلّا مساكنهم، ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾، نجّى الله سبحانه وتعالى هوداً والّذين آمنوا معه برحمةٍ منه سبحانه وتعالى.

﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾: قُطع دابرهم: أي قطع وجودهم ونسلهم، وانقطعوا عن هذه الحياة الدّنيا.

الآية رقم (57) - وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾: بشكلٍ عامٍّ عندما تأتي كلمة (ريح) في القرآن الكريم أي فيها ضررٌ، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾  [الحاقّة]، أمّا عندما تأتي كلمة (رياح) أي فيها خيرٌ، ولها فوائد متعدّدةٌ، أوّلاً إهاجة الهواء في الكون، والتّلوث يفسد الأجواء إذاً تحريك الهواء هو من رحمة الله سبحانه وتعالى، ثانيّاً تكوين الأمطار، فالرّياح هي الّتي تحمل السّحاب.

﴿بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾: من رحمات الله سبحانه وتعالى وتُبشِّر بالخير.

﴿حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا﴾: أي حملت سحاباً محمّلاً بالمطر.

﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾: البلد الميّت الّذي لا حراك فيه ولا نبات.

﴿فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾: من أنواع الثّمرات كلّها بماءٍ واحدٍ.

﴿كَذَٰلِكَ﴾: دائماً يضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال، فأنت ترى المثل أمامك.

﴿نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾: ضرب هذا المثل الّذي نراه جميعاً فاعتبروا، تذكّروا، انظروا، أبصروا، تعقّلوا، افهموا حتّى تروا أنّ الله سبحانه وتعالى قادرٌ على إحياء النّاس يوم القيامة وأهون عليه.

الآية رقم (58) - وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ

﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾: أي الخصب المهيّأ لهطول الأمطار.

﴿يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾: أي سهلاً ميسّراً.

﴿وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾: بصعوبةٍ.

﴿كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾: نقلّب ونبيّن.

ضرب مثلاً كالبلد الطّيّب المهيّأ تنزل عليه الأمطار فيخرج نباته بإذن ربّه، أمّا النّكد مهما نزل عليه المطر فلا يخرج نباته إلّا بصعوبةٍ بالغةٍ، وكذلك الإنسان الطّيّب الّذي يتقبّل الإيمان تأتيه هداية الدّلالة فيأخذ بهداية المعونة.

﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾: الّذين يشكرون عندما يرون النّعمة، وبالشّكر تدوم النّعم، وكما قال سبحانه وتعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: من الآية 7]، والشّكر هو علامةٌ على إيمان الإنسان؛ لأنّه يشكر نعماء الله سبحانه وتعالى عليه.

الآية رقم (59) - لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

بدأ الآن القصص القرآنيّ موضّحاً كيف طرأ الكفر على الأمم المتتابعة، فالمولى سبحانه وتعالى يريد أن يعتبر الإنسان من التّجارب السّابقة؛ لأنّ الّذي لا يقرأ التّاريخ لن يستطيع أن يبني مستقبلاً، فهناك سننٌ مطردةٌ وسننٌ كونيّةٌ تتكرّر، وهذه السّنن هي السنن الاجتماعيّة الّتي تردّ في القصص القرآنيّ، فالقصص القرآنيّ مطابقٌ للواقع ولا يهتمّ بالتّفاصيل كقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب﴾ [غافر]، لم يذكر لنا من هو ذلك الرّجل المؤمن، ولم يرد إلّا ذكر الأنبياء فقط؛ لأنّهم قادة البشريّة، والشّخصيّات الّتي تأتي في الأحداث تكون مبهمةً، حتّى لا نترك العبرة ونلحق الحدث، ولا توجد قصّةٌ متكاملةٌ في القرآن الكريم إلّا قصّة سيدنا يوسف عليه السَّلام جاءت كاملةً في سورةٍ واحدةٍ، أمّا بقيّة القصص مثل قصّة سيدنا نوح عليه السَّلام نجد في سورة (الأعراف) الحديث عن نوح عليه السَّلام، وهناك سورةٌ اسمها سورة (نوح) فيها حديثٌ عن سيّدنا نوح عليه السَّلام، لكن التّفصيل الأكبر عن نوح عليه السَّلام نجده في سورة (هود)، وهكذا.. فالقصّة تأتي على مقاطع تخدم السّياق القرآنيّ، ليس تكراراً بل أسراراً، فنحن نقرأ قرآناً وليس كتاباً بشريّاً، والقصص القرآنيّ يختلف قطعاً عن القصص البشريّ.

الآية رقم (44) - وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾: هناك حوارٌ في الآخرة بين أصحاب الجنّة وأصحاب النّار، وكأنّهم يرون بعضهم بعضاً، فيخاطب أصحاب الجنّة أهل النّار قائلين لهم: ﴿قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا﴾؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى وعدنا ونحن في الدّنيا بأنّنا إذا فعلنا ما أمرنا به وانتهينا عمّا نهانا عنه فإنّنا سندخل الجنّة، وقد وجدنا وعد الله سبحانه وتعالى حقّاً؛ لأنّنا وصلنا إلى الجنّة.

﴿فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾: أُدخلت الكاف على كلمة ربّ، وكأنّهم يقولون لهم: بأنّكم لم تكونوا تؤمنون بربكم.

﴿قَالُوا نَعَمْ﴾: أجاب أهل النّار بـ: نعم.

﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾: أي أعلم، الأذان هو إعلامٌ، أي أُطلق صوت إعلانٍ من قبل الملائكة أن ﴿لَّعْنَةُ اللَّهِ﴾: أي طردٌ من رحمة الله سبحانه وتعالى، ﴿عَلَى الظَّالِمِينَ﴾: ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم.

الآية رقم (60) - قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ

﴿قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ﴾: الملأ هم الّذين يملؤون العين، هم عليّة القوم، وهنا الملأ يتمسّكون بالشّهوات والأموال والمكانة الّتي يعتلونها في المجتمع، ويتصدّون للأنبياء عليهم السَّلام.

﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾: حكموا مباشرةً أنّه بعيدٌ عن الهداية، وهذا كلامٌ فارغٌ.

الآية رقم (45) - الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ

إضافةً لما تحدّث عنه المولى سبحانه وتعالى عن المجرمين والظّالمين، ذكر سبحانه وتعالى هذه الصّفة: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾، فهم يريدون منهج الله جلّ وعلا معوجّاً، وكثيرٌ من النّاس الآن يريدون منهجه سبحانه وتعالى معوجّاً، يقولون: الرّبا حلالٌ، ومن قال لك: إنّ الخمر حرامٌ؟! يبحثون عن أيّ قضيّةٍ أو أيّ موضوعٍ ليكون المنهج معوجّاً وليس مستقيماً.

الآية رقم (61) - قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ

﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ﴾: أي ليس بي أيّ ضلالةٍ.

﴿وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾: إنّما أنا مرسَلٌ من ربّكم ربّ العالمين جميعاً، وأحمل رسالةً أن اعبدوا الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له فليس هناك إلهٌ غيره، وأبين لكم الحلال والحرام.

الآية رقم (46) - وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ

﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾: يوجد حجابٌ ما بين الجنّة والنّار، وجاء في آياتٍ أخرى: ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب﴾ [الحديد: من الآية 13]، فهو حجابٌ أحد جانبيه عذابٌ لأهل النّار ومن الجانب الآخر الرّحمة، وهذا الحجاب يُتراءى من خلاله.

﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾: أوّل مرّةٍ تذكر الفئة الثّالثة، وهم أصحاب الأعراف الّذين تساوت حسناتهم وسيّئاتهم، والأعراف في اللّغة: المكان الـمُشرف، ومنه عرف الدّيك، ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾: أي على أعراف السّور; وهي شُرفه.

﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾: من وجوههم يعرفونهم بسيماهم، كما قال جلّ وعلا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة﴾ ٌ[القيامة].

﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾: أصحاب الأعراف التفتوا إلى أصحاب الجنّة وقالوا: السّلام عليكم، بتحيّة الإيمان، بتحيّة الإسلام، بتحيّة السّلام والأمان والطّمأنينة.

﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾: لم يدخلوا الجنّة حتّى الآن، وهم يطمعون أن يدخلوها معهم.

الآية رقم (62) - أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ

﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾: البلاغ: ما يُتوَصّل به إلى الغاية.

﴿رِسَالَاتِ رَبِّي﴾: لم يقل: رسالة ربي؛ لأنّها رسالاتٌ كثيرةٌ، أو أنّ الرّسالة الواحدة هي الرّسالات السّماويّة كلّها، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ [الشّورى]، أو أنّ: ﴿رِسَالَاتِ رَبِّي﴾ أي في كلّ أمرٍ وفي كلّ نهيٍ رسالةٌ من ربّ العالمين للإنسان، وفي كلّ خبرٍ وقصّةٍ تأتي في الكتاب الّذي أرسل به هذا النّبيّ الكريم.

﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾: هو يخاف عليهم ويؤدّي النّصح.

﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾: أعلم ما لا تعلمون؛ لأنّي رسولٌ منبّأٌ من الله سبحانه وتعالى، فأعلم ما سيحلّ بكم، وأنّ هناك طوفاناً إن لم تستجيبوا، وقد جاء في الآيات الأخرى في سورة (هود) قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)  وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (39) حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) ۞ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) قِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود]، وفي سورة (نوح) قال سبحانه وتعالى: ﴿إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)  يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح]، كلّ لقطةٍ تناسب السّورة الّتي فيها.

الآية رقم (47) - وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ﴾: لنلاحظ دقّة الأداء القرآنيّ، عندما تحدّث عن خطاب أصحاب الأعراف مع أصحاب الجنّة قال: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾، أي كأنّهم التفتوا إلى أصحاب الجنّة وقالوا: السّلام عليكم، بينما عندما ذكر أصحاب النّار قال: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ﴾، فهم لا يريدون أن يلتفتوا أبداً إلى أصحاب النّار، لكن صُرفت أبصارهم رغماً عنهم، وكلمة ﴿صُرِفت﴾ هنا مبنيّةٌ للمجهول، كأنّ البصر التفت بغير إرادته إلى أهل النّار.

 ﴿قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾: هم موقوفون على الأعراف، وعندما رأوا عذاب أهل النّار توسّلوا إلى الله عزَّ وجلّ ألّا يجعلهم مع القوم الظّالمين.

الآية رقم (48) - وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ

﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾: يقول اللّه سبحانه وتعالى إخباراً عن تقريع أهل الأعراف لرجالٍ من صناديد المشركين وقادتهم يعرفونهم في النّار بسيماهم كأبي جهلٍ وأبي لهبٍ وغيرهم من الّذين كانوا في أيّام النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ﴾: أي كثرتكم.

﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾: ما كنتم تستكبرون على الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (49) - أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ

﴿أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ﴾: أي فقراء ومساكين المسلمين.

﴿أَقْسَمْتُمْ﴾: في الدّنيا.

﴿لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾: في الآخرة، يوبِّخونهم بذلك.

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾: صدر الأمر من الله سبحانه وتعالى بأنّهم بمجرّد قيامهم بهذا الحوار، ونظرهم إلى رحمة الله سبحانه وتعالى لأهل الجنّة، يُقال لهم: ادخلوا الجنّة.

الآية رقم (50) - وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ

﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾: يستغيث أهل النّار بأهل الجنّة ويستطعمونهم ويستسقونهم، عند نُزُول عظيم البلاء بهم من شدّة العطش والجوع، عقوبةً من الله جلَّ جلاله لهم على ما سلف منهم في الدّنيا من ترك طاعته سبحانه وتعالى، والإفاضة: التّوسعة؛ يُقال: أفاض عليه نعمه.

﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾: يعني من الطّعام.

﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾: يعني طعام الجنّة وشرابها.

الآية رقم (51) - الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ

﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا﴾: الّذين كانوا يستهزئون بالدّين ويحاربون أهله.

﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾: اعتقدوا أنّ هذه الحياة الدّنيا هي غاية الحياة، وهذا هو خطؤهم، فهناك الحياة الدّنيا وهناك الآخرة، وكما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: “احرث لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً”، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾ َ[القصص].

﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا﴾: ننساهم أي ندعهم ولا نلتفت إليهم، ولن تطالهم رحمتنا؛ لأنّهم نسوا لقاء هذا اليوم الّذي جاءتهم الرّسل منذرةً به، ونزلت عليهم الكتب تحذيراً لهم.

﴿وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾: وما كانوا بآياتنا يكفرون ويرفضون ويستكبرون على الله سبحانه وتعالى بغير الحقّ.

الآية رقم (52) - وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ﴾: فلا عذر لهم، فقد جئناهم بكتابٍ وهو القرآن الكريم، ﴿فَصَّلْنَاهُ﴾: أي فصّلنا أحكامه ومعانيه ومواعظه وقصصه على علم الله سبحانه وتعالى، فالعليم سبحانه وتعالى نزّل هذا الكتاب الكريم مفصّلاً، فيه هداية الدّلالة لكلّ النّاس.

﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: هذا الكتاب فيه هدايةٌ، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء]، قد يقول قائلٌ: كيف يكون هذا الكتاب شفاءً ورحمةً، وهو في الوقت ذاته خسارةٌ للكافرين؟ فهنا نقول: القابل مختلفٌ والفعل واحدٌ، مثلاً: إذا كان الإنسان في حالة بردٍ فإنّه ينفخ في كفّيه طلباً لتدفئتهما، وإذا أراد أن يشرب كأساً من الشّاي فإنّه ينفخ فيه أيضاً ليبرّده فيستطيع شربه، فإذاً الفعل واحدٌ لكنّ القابل مختلفٌ، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء]، وهنا قال أيضاً: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً﴾ ، لمن؟ ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ، القوم الّذين آمنوا أخذوا بهداية الدّلالة، فجاءتهم الرّحمة وجاءتهم هداية المعونة، وأمّا الّذين رفضوا هذه الهداية فقد خسروا؛ لأنّهم رفضوا القرآن الكريم والإيمان به.