الآية رقم (128) - وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

يعالج القرآن الكريم الآن دخائل النّفس والعلاقة الزّوجيّة بين الزّوج والزّوجة، والإسلام وضع عنواناً للزّواج هو من أرقى العناوين الّتي لا يعرفها الغرب المتبجّح الّذي يتحدّث عن حقوق الإنسان، وأولئك الّذين يحاولون أن يتهجّموا على الدّين بحجّة أنّ الدّين هو التّخلّف والإرهاب ومصدر التّطرّف وكلّ الشّرور حسب زعمهم، والحقيقة تختلف تماماً، الإسلام مصدر الخير والأديان جاءت من أجل مصلحة الإنسان، وهنا يضع ضوابط للعلاقة الزّوجيّة بين المرأة والرّجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرّوم]، جعل المودّة في بداية الزّواج وهي الحبّ ووداد القلب، وبعد مرور عدّة سنواتٍ على الزّواج عندما تكبر المرأة وتحمل وتلد وتُرضع وتعمل وتفني نفسها في سبيل زوجها وأولادها، فالرّحمة يجب أن تكون عنواناً للعلاقة الزّوجيّة، والرّحمة هي منطلق كلّ خيرٍ بين الرّجل والمرأة، أن تكون المرأة رحيمةً بزوجها والزّوج رحيماً بزوجته، لذلك وضع الإسلام عدّة قواعد للعلاقة بين الرّجل والمرأة ومنها هذه القاعدة: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا﴾، والنّشوز: هو الخروج عن الأمر المألوف، النّفور؛ أي نفور الرّجل من المرأة، ﴿أَوْ إِعْرَاضًا﴾: أعرض عنها، ﴿فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾: بداية للتّفرقة أو الطّلاق أو لنشوز الرّجل عن المرأة أو لإعراض الرّجل عن المرأة أهمّ شيءٍ هو الصّلح.

الآية رقم (139) - الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا

دائماً سبب النّفاق الأساسيّ أنّ المنافقين يبتغون شيئاً ما، يحصلون عليه ممّن ينافقون لهم، ففي المدينة المنوّرة كانت فئة المنافقين الّذين ينافقون لمشركي مكّة يقولون لهم: نحن معكم ولكنّنا داخل الجسد الإسلاميّ لننقلَ لكم أخبارهم، فكانوا يبدون شيئاً ويكتمون أشياء أخرى في أنفسهم، وقد اتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ابتغاءً للعزّة عندهم، والعزّة متعدّدةٌ: إمّا أن تكون العزّة بالأسباب، أو العزّة بالغنى، أو بالقوّة أو الجاه، فينافق الإنسان طمعاً، أو يُنافق بسبب جهله، فنجد أناساً تُنافق للأغنياء، وأناساً تُنافق لأصحاب السّلطات، وأناساً تُنافق لأصحاب الجاه، وأناساً تُنافق لأصحاب القوّة، ماذا يعني أنّهم ينافقون؟ أي أنّهم لا يقولون الحقيقة، ويبدون غير ما يكتمون، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سهّل لنا مهمّة معرفة المنافقين فقال: «آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»([1])، وفي روايةٍ: «وإذا خاصم فجر»([2])، فهذه العناصر هي الّتي توضّح طبيعة المنافق، فهو إذا حدّث كذب؛ لأنّه يبتغي العزّة لمن يعتقد أنّه يملك القوّة والجاه والسّلطة، وهو مخطئٌ في ذلك؛ لأنّ الإنسان في الحياة الدّنيا هو من الأغيار، فصاحب السّلطة أو المال أو الجاه أو القوّة اليوم يكون غنيّاً وغداً قد يكون فقيراً، اليوم يكون بصحّة وغداً قد يكون مريضاً، اليوم قد يكون عزيزاً وغداً قد يكون ذليلاً، اليوم قد يكون له منصبٌ وغداً يكون خارج المنصب، بسبب هذه العناصر يبتغي هؤلاء العزّة عند مَن يُنافقون له.

الآية رقم (129) - وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

كانت الآيات في بداية سورة (النّساء): ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾ [النّساء]، وقد فسّرت هذه الآيات بأنّه يجب علينا ألّا نأخذ إباحةً وندع إلزاماً في الدّين، فمعظم المشكلات الّتي نقع فيها في تعاملنا مع ديننا بأنّنا نأخذ إباحةً وندع إلزاماً، فالله سبحانه وتعالى أباح لك الميراث لكنّه ألزمك بالمساواة والوصاية وغيرها…، وموضوع التّعدّد جاء ضمن حلٍّ لمشكلةٍ كانت قائمةً، وكان التّعدّد كبيراً وتحدّثنا عنه، وهنا يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾  وهذا العدل هو الميل القلبيّ والدّليل على ذلك تتمّة الآية: ﴿فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ تميلوا ميل قلبٍ، كما كان يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللّهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك»([1]). بالنّسبة للتّعدّد، المطلوب هو العدل، ﴿فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ أي أن يميل الإنسان كلّ الميل باتّجاه زوجةٍ ويترك الأخرى وهي معلّقةٌ من غير أن يطلّقها.

﴿وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾: نلاحظ التّأكيد وتكرار كلمتين اثنتين وهما تصلحوا وتتّقوا، الإصلاح والتّقوى، التّقوى جماع كلّ خيرٍ، والإصلاح هو رأب ما فسد وإعادة الأمور إلى نصابها ومجراها، فإذاً لا يطلب الدّين من الإنسان العنف وإنّما يطلب منه اللّطف.

 


([1]) سنن أبي داود: كتاب النّكاح، باب في القسم بين النّساء، الحديث رقم (2134).

الآية رقم (140) - وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا

كانت فئةٌ من المنافقين تجلس مع المشركين في المدينة المنوّرة، ويستهزؤون أثناء حديثهم بكلام الله سبحانه وتعالى وبالقرآن الكريم، فيفضح الله سبحانه وتعالى هؤلاء المنافقين فيقول: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ﴾: أي نزّل عليكم سابقاً عندما كنتم في مكّة.

﴿إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾؛ لأنّ المأوى واحدٌ وهو في جهنّم وبئس المصير، فالمنافق يستطيع أن يخدع النّاس لكنّه لا يستطيع أن يخادع المولى سبحانه وتعالى.

الآية رقم (119) - وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا

﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ﴾: الطّريق الّذي سأسير فيه هو عمليّة الإضلال، وهو إبعاد النّاس عن الطّريق والصّراط المستقيم، وعن الوسيلة الّتي توصل إلى الغاية الّتي جاء بها الأنبياء والمرسلون عليهم السلام.

﴿وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾: أي أعدهم بالأماني، فالإنسان عندما يعيش في الأماني الّتي لا تتحقّق، تكون من صنع وسوسة الشّيطان.

﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ﴾: [الأنعام]؛ أي الإبل والبقر والغنم، يبتّكون؛ أي يقطّعون آذان الإبل والبقر والغنم، كناية عن الأنعام الّتي كانت تنذر لتُذبح عند الأصنام، فالأنعام الّتي تكون مقصوصةً أذنها تُعرَفُ أنّها نَذْرٌ للصّنم، فإبليس -لعنه الله- عمله الإضلال والأمانيّ، وجعل النّاس تعمل النّذور للأصنام الّتي تُعبد من دون الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (109) - هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً

أتيتم وجادلتم النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتحاولون إقناعه بألّا يحكم على المسلم ويحكم على اليهوديّ، هذا في الحياة الدّنيا.

﴿فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾: من سيقف يوم القيامة ويجادل عنهم وعمّن كان خوّاناً وآثماً، ومن كان سارقاً ومعتدياً… من سيكون وكيلاً يدافع عنهم يوم القيامة؟ أنتم الآن تجرّأتم في هذه الدّنيا بمجرّد طلبكم من رسول الله بأن يحكم للمسلم على اليهوديّ.

الآية رقم (120) - يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا

يعدهم ويُخلف وعده، لذلك على الإنسان دائماً أن يتّبع الطّريق الّذي هداه الله سبحانه وتعالى إليه في القرآن الكريم: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف]، حتّى لو كنت في الصّلاة وأنت تقرأ وجالت بك الأمور خارج الصّلاة وإلى هموم الدّنيا فقل: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ثمّ تابع القراءة، لتقول للشّيطان: إنّك منتبهٌ وأنّه لن يستطيع أن يمنّيك وأن يعدك وأن يوسوس لك.

﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾: الغرور: أنّ يغترّ الإنسانُ ويتوهّمَ الأمور، وهي في النّتيجة لا تكون على ما تصوّره ذهنه، فالشّيطان لا يعد الإنسان إلّا غروراً، وفي حقيقة الأمر سيقوده إلى الخسران المبين.

الآية رقم (110) - وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا

أليس السّوء هو ظلمٌ للنّفس؟

السّوء هو سوءٌ مع الغير، وصحيحٌ أنّ السّوء مع الغير هو ظلمٌ للنّفس، لكنّ ظلم النّفس يكون كقتل النّفس.

﴿ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾: طالما استغفر الإنسان، وكانت التّوبة صادقةً ونصوحةً على ألّا يكرّر الخطأ فسيجد الله سبحانه وتعالى توّاباً رحيماً، فالله سبحانه وتعالى في الآخرة هو التّوّاب الرّحيم، يتوب عن السّيّئات ويغفر الذّنوب.

الآية رقم (121) - أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا

من يتّبع الشّيطان وسبيل الشّيطان فمأواه المكان الّذي سيأوي إليه الشّيطان، جهنّم وبئس المصير، ولن يستطيع عنها محيصاً، والله سبحانه وتعالى عندما يتحدّث عن جهنّم يتحدّث مباشرةً عن الجنّة حتّى يكون الإنسان بين الترغيب والتّرهيب، بين الرّحمة والعقاب، وهذا أمرٌ سلوكيٌّ، فلا يمكن أن تتّكل على رحمة الله سبحانه وتعالى وأنت تعصيه:

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حبّـــــهُ              هذا لعمري في القياسِ بَديعُ

لو كَان حُبّك صَــــادقاً لأطعْتَـــــه         إنَّ المحــــــبَّ لمــــــنْ يحبُّ مُطِيــــعُ

الآية رقم (111) - وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا﴾:  سمّاه كسباً؛ لأنّه أصبح باعتقاده أنّ هذا الإثم إلى صالحه، فإن سرق فهو يرى أنّه استفاد من هذه السّرقة.

﴿فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾: على نفسه وليس من نفسه.

﴿وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾: بنيّته وبفعله.

الآية رقم (122) - وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً

الإيمان من دون عملٍ لا يكفي؛ لأنّ الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل، وهو العمل الصّالح، الّذي فيه خيرٌ للنّاس وللبشريّة جمعاء، فإذا أمل الناس في خيرنا وأمنوا من شرورنا عندها نكون نعمل صالحاً.

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾: الصّدق هو مطابقة الكلام للواقع، وليس أصدق من الله سبحانه وتعالى قيلاً، فهو الخالق والرّازق والمحيي والمميت، هذا وعد الله سبحانه وتعالى للنّاس.

والجنّة هي أمرٌ غيبيٌّ، وصفها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: «قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ»([1])، وعندما يصف الله سبحانه وتعالى لنا الجنّة يسبقها بكلمة: (مَثَل): ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ [الرّعد]؛  لأنّ الحديث عن غيبٍ يقرّبه سبحانه وتعالى إلى أذهاننا، فمثلاً الجنّة فيها خمرٌ، ولكن ليس هو كالخمر المعروف في الدّنيا.

الآية رقم (112) - وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا

ما الفرق بين الخطيئة والإثم؟ الإثم الإصرار على المعصيّة، فهو مخطئٌ ومصرٌّ على الخطأ ويكرّره، أمّا الخطيئة قد يخطئ ويعود عنها؛ أي عصى لكن هذا خطأ.

﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾: ليس فقط سرق وارتكب الإثم، بل يريد أن يرميَ به بريئاً وهو اليهوديّ.

﴿فَقَدِ احْتَمَلَ﴾: حمل بغير إرادته.

﴿بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾: البهتان: هو الافتراء، وفوق الافتراء الإثم المبين والواضح في جريمته باتّهام بريءٍ وبسرقته.

الآية رقم (123) - لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا

القضيّة ليست بأمانينا ولا بأمانيّ أهل الكتاب؛ أي ليس بأمانيّ كلّ الأديان، ليست القضيّة أمانيّ، مثلاً أنا أتمنّى أن يكون مصيري إلى الجنّة، لا، فالقضيّة واحدةٌ، ﴿مَن يَعْمَلْ﴾ القصّة فيها عملٌ، وبالإيمان لا يوجد أمانيّ لا منّا ولا من أهل الكتاب ولا من كلّ الأديان.

المعادلة الأساسيّة الّتي جاءت بها كلّ الأديان السّماويّة على الإطلاق بيّنها الله سبحانه وتعالى هنا بشكلٍ لا يقبل اللّبس أبداً: من يعمل سوءاً سيكون جزاؤه على السّوء، فالقضيّة هي ما بين أن تعمل صالحاً أو سيّئاً، هذه دعوة الأديان، فكيف تقول: إنّ دين الإسلام أو أيّ دينٍ من الأديان يدعو إلى الكراهية أو إلغاء الآخر أو القتل أو التّطرّف والتّشدّد؟!

﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾: من يعمل السّوء كائناً من كَان، لا بأمانينا ولا بأمانيّ أهل الكتاب.

الآية رقم (113) - وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا

هذه الآية الكريمة متابعةٌ للآيات السّابقة الّتي تتعلق بحادثة طعمة بن أبيرق من بني ظُفر الّذي سرق الدّرع، وجاء القوم لعند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أجل الحديث معه حتّى لا يحكم عليه، وإنّما يحكم على اليهوديّ، لكنّ الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان قد حكم بالعدل بينهما، وكان مصرّاً على هذا الحكم، وهي تتعلّق بالمكانة العظيمة لسيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولعصمة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي كرّمه وتفضّل عليه، فالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم معصومٌ من الخطّأ بتسديد الوحيّ لكلّ خطوةٍ ولكلّ أمرٍ منه صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ﴾: فضل الله سبحانه وتعالى وعطاؤه ورحمته الّتي أحاطها بنبيّه المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، فكان مصدر خيرٍ ورحمةٍ للعالمين جميعاً.

الآية رقم (114) - لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

النّجوى: هي أن يتناجى النّاس بالسّرّ، تبييتاً للإضلال، لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يذمّ كلّ تبييتٍ، فقد استثنى منه: ﴿إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ التّبييت بخير، كمن يريد أن يأمر بصدقةٍ ويبيّت لها ويخفيها حتّى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه، أو معروفٌ يريد أن يفعله الإنسان سرّاً أو يكون مبيّتاً، أو إصلاحٌ بين النّاس.

هل هناك في أيّ مجتمعٍ من المجتمعات يكون الحثّ في الدّين على الإصلاح بين النّاس، وعلى العدل والمعروف والصّدقة في السّرّ حتّى لا يتأذّى الفقير؟ هذه بعض تعاليم الإسلام، لذلك من هذه الآيات عندما تولّى سيّدنا عمر بن الخطّاب القضاء في عهد سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه، طلب الإعفاء من القضاء، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: “يا عمر، أمن مشقّة القضاء تطلب الإعفاء؟”، فقال سيّدنا عمر: “يا أبا بكر، لا حاجة لي بقومٍ عرف كلّ منهم حدّه فوقف عنده، إذا مرض أحدهم عادوه، وإذا افتقر أغنوه، فلا حاجة لي بأناسٍ دينهم النّصيحة، وخُلُقهم القرآن”. فلا تحدث خصوماتٌ ولا تناقضٌ بين البشر، هذا هو دين الإسلام.

﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾: من يُسرّ النّجوى من أجل الصّدقة، والمعروف، والإصلاح بين النّاس، ومن أجل فعل الخير للغير، فأجره سيكون عند الله سبحانه وتعالى مع مرضاته سبحانه وتعالى وجنّاتٍ في نعيمٍ مقيمٍ.

الآية رقم (104) - وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ﴾: لا تضعفوا في مواجهة أعدائكم، فهناك معادلة: ﴿إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ﴾، لكن في طرف المعادلة من جانبكم: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ هذه هي المعادلة الإيمانيّة العظيمة، ساوى الله سبحانه وتعالى بين النّاس بالنّسبة للأسباب، فإذا أخذت بأسباب الله عزَّ وجلحقّقت النّتائج المطلوبة؛ لذلك لا بدّ من تطبيق قوله جلَّ جلاله: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: من الآية 60]، ترهبون ليس المقصود بالإرهاب الّذي يقولون عنه، وإنّما هو منع الاعتداءِ، وهو توازنٌ استراتيجيٌّ، توازن القوّة، ولا بدّ للحقّ من قوّةٍ تحميه، وأيّ دولةٍ من الدّول لا بدّ من أن تكون لها قوّةٌ حتّى تحمي الوطن من أيّ اعتداءٍ يحصل عليه، المعادلة هنا تساوي النّاس بشكلٍ عامٍّ في الألم والمشقّة والابتلاء والمصائب، بغضّ النّظر عن ساحة المعارك والقتال، صحيحٌ أنّ هناك خصوصيّة سببٍ بالنّسبة للمواجهة بين رسول الله وبين ومشركي مكّة في معركة بدر وأُحُد والخندق وغيرها لكن هنا خصوصيّة اللّفظ وعموميّة المعنى، المعادلة: ﴿إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ﴾، لكن الفارق بين المؤمن وغير المؤمن أنّه يرجو من الله سبحانه وتعالى

الآية رقم (115) - وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا

﴿وَمَن يُشَاقِقِ﴾: أي يشقّ، ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ أي يخالف نهجه، ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ الهدى هو الطّريق الموصل إلى الغاية، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: من الآية 153]، فإذاً: من يشاقق الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم من بعد أن تبيّن له الصراط المستقيم، الطّريق الموصل إلى الغاية وإلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهو كتاب الله سبحانه وتعالى وسنّة سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأوامره وأفعاله وأخلاقه، ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ فستكون ولايته لما تولّاه من ضلالٍ وإضلالٍ.

﴿وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾: سيكون المصير مصير السّوء في يوم الحساب، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشّعراء].

الآية رقم (105) - إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا

هذه الآيات تبيّن أنّ الإنسان الّذي يلتزم بشرع الله سبحانه وتعالى وبكتابه لا بدّ له من أن يكون عادلاً مع النّاس جميعاً، بغضّ النّظر عن كونهم مؤمنين أم لا، مسلمين أم لا، النّظرة شاملةٌ لكلّ النّاس، بدليل قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾.

﴿إِنَّا أَنزَلْنَا﴾: الضّمير المتّصل (نا) يدلّ على الجماعة، وهو يأتي للتّعظيم والتّفخيم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر]، ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ﴾ [ق]، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ [الزّمر[، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف]، في كلّ الآيات المتعلّقة بفعلٍ من أفعال الله سبحانه وتعالى تأتي (نا) الدّالة على الجماعة للتّعظيم، أمّا عندما يتعلّق الأمر بشأنٍ توحيديّ فإنّها تأتي مفردة: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه]، لم يقل: إنّني نحن الله؛ لأنّها توحيد لله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (116) - إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾: فتح سبحانه وتعالى باب التّوبة فهو يغفر كلّ الذّنوب بدليل هذه الآية، وأطلق مشيئته سبحانه وتعالى.

﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾: إذاً هو يغفر كلّ الذّنوب باستثناء الإشراك بالله جلَّ جلاله، قد يقول قائلٌ: إنّ الله سبحانه وتعالى يقول في آيةٍ أخرى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزّمر]، فكيف يقول: إنّه يغفر الذّنوب جميعاً، وهنا يقول: إنّه لا يغفر أن يشرك به؟ يجب أن نتبيّن أنّ الإشراك بالله سبحانه وتعالى ليس ذنباً، فالذّنب هو أن تعصي وأنت تعلم أنّ هناك إلهاً، أمّا أن تنكر وجود الله فهذا إشراكٌ وليس ذنباً، فلا تناقض بين الآيتين.

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾؛ لأنّه لا تستقيم الأمور أنّ يغفر الله لمن لا يؤمن به، فهو يغفر لمن يؤمن به ويرتكب الذّنوب ومن ثمّ يتوب، والله تعالى يغفر لمن يشاء كما جاءت هذه الآية، وقد فتح سبحانه وتعالى باب التّوبة.

الآية رقم (106) - وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

الاستغفار أمرٌ مطلوبٌ من الإنسان في كلّ لحظةٍ، ففي كلّ وقتٍ يمكن أن يرتكب الإنسانُ ذنباً أو إثماً، حتّى تقصيره في عبادته يُعَدّ ذنباً.

ويأتي الأمر للقدوة والأسوة والمعلّم النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتّى يكون لكلّ أمّته من بعده: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾؛ لأنّ الآياتِ الّتي تليها قال فيها سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾، فقد اعترض بعضهم وحاول التّدخّل بحكم النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم باتّهامه للمسلم وتبرئة اليهوديّ، وقالوا: هذه سمعةٌ غير جيّدةٍ، فمعنى ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ﴾؛ أي واطلب ممّن قال هذا القول أو فكّر بهذا القول أن يستغفر الله سبحانه وتعالى ؛ لأنّ هذا أمرٌ غير مقبولٍ.

﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾: كان ولا يزال ويبقى؛ لأنّه سبحانه وتعالى لا تعتريه الأغيار، ولا يتبدّل، كان فعلٌ ماضٍ ينطبق على البشر وليس على ربّ البشر.