الآية رقم (11) - يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ﴾: وهكذا يُعلِّمنا الله سبحانه وتعالى أنّ النّبات لا ينبت وحده، بل يحتاج إلى مَنْ يُنبِته، وهنا يَخصُّ الحقّ سبحانه وتعالى ألواناً من الزّراعة لها أَثَر في الحياة، ويذكر الزّيتون والنّخيل والأعناب وغيرها من الثّمرات كلّها. والزّيتون كما نعلم يحتوي على مواد دُهْنيّة، والعنب يحتوي على مواد سُكّريّة، وكذلك النّخيل الّذي يُعطي البلح، يحتوي على مواد سُكّريّة، وغذاء الإنسان يأتي من النّشويات والبروتينات.

وما ذكره الله سبحانه وتعالى أوّلاً عن الأنعام، وما ذكره عن النّباتات يُوضِّح لنا أنّه قد أعطى الإنسان مُكوِّنات الغذاء، فهو سبحانه وتعالى القائل: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التّين]؛ أي: أنّه جعل للإنسان في قُوته البروتينات والدُّهنيّات والنّشويّات والفيتامينات الّتي تصون حياته.

وعلينا أنْ نستقبلَ قوله سبحانه وتعالى: ﴿ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ في ضَوْء قَوْل الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة]، ذلك أنّك تحرثُ الأرض فقط، أمّا الزّارع الحقيقيّ فهو قدرة الله سبحانه وتعالى، لذلك قال: ﴿ يُنْبِتُ لَكُمْ ﴾؛ لأنّه لولا قدرة الله عز وجل ونِعَمه ما كان لنا أن ننبت هذه النّباتات.

﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾: أي: أنّ ما تأخذه هو جزءٌ من الثّمرات؛ ذلك أنّ الثّمرات كثيرة، وهي أكثر من أن تُعَدّ.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾: هذه الآية هي عجيبةٌ من العجائب الّتي تدلّ على وجوده وقدرته، فطلب من الإنسان إعمال العقل، وقال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾؛ أي: أنّ مهمّة التّفكير يجب ألّا تنحصر في شخصٍ واحدٍ فقط أو بأشخاص، بل إنّ على المجتمع كلّه أن يُعمل عقله وفكره حتّى يستطيع أن يصل إلى مرادات الله سبحانه وتعالى من خلقه.

ونجد في القرآن الكريم آيات تنتهي بالتّذكُّر والتّفكُّر والتّدبُّر والتّفقُّه، وكُلٌّ منها تؤدّي إلى العلم اليقينيّ، فحين يقول: ﴿ يَتَذَكَّرُونَ ﴾، فالمعنى أنّه يجب أن يتذكّر من هذه النّعم الموجودة وجود الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمّد]، فالتّدبّر هو أن تعلم المآلات والنّهايات، وأن تُعمِل العقل والفكر في كلّ أمرٍ من هذه الأمور.

«يُنْبِتُ» مضارع فاعله مستتر

«لَكُمْ» متعلقان بينبت

«بِهِ» متعلقان بينبت

«الزَّرْعَ» مفعول به والجملة مستأنفة

«وَالزَّيْتُونَ» معطوف على الزرع

«وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ» عطف على ما سبق

«وَمِنْ كُلِّ» معطوف على ما تقدم

«الثَّمَراتِ» مضاف إليه

«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً» إن والجار والمجرور متعلق بالخبر المقدم ذا اسم إشارة واللام للبعد والكاف للخطاب آية اسم إن واللام المزحلقة والجملة مستأنفة

«لِقَوْمٍ» متعلقان بمحذوف صفة لآية

«يَتَفَكَّرُونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صفة لقوم