الآية رقم (11) - يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا

فاستغفاركم وتوبتكم إلى الله تعالى تفتح لكم أبواب السّماء بالمطر، حتّى صلاة الاستسقاء هي صلاة استغفار، وقد بيّن الحقّ تعالى بأنّ الإنسان إذا استغفر وتاب إلى الله عز وجل فإنّه لا يحرمه من عطاء ربوبيّته.

﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ﴾: إرسال السّماء يعني تواصل نزول المطر عليهم، والفارق بين (الإنزال) وبين (الإرسال) أنّ الإنزال يكون مرّة واحدة، أمّا الإرسال فهو مسترسل ومتواصل، لذلك يقول الحقّ تعالى في المطر: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [فاطر: من الآية 48]؛ لأنّ المطر لا ينزل طوال الوقت من السّماء، ولكن في الإرسال استمرار، لذلك يقول الحقّ تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾[الحجر: من الآية 22]، فالّذي يحتاج إلى استمراريّة في الفعل يقول فيه: (أرسل) بدليل أنّ الله تعالى حينما أراد أن يجيء بالطّوفان قال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف: من الآية 133]، وعندما أراد أن يُرَغِّب عاداً قوم سيّدنا هود عليه السلام في الاستغفار والتّوبة والرّجوع عمّا كانوا عليه من الكفر والآثام قال لهم: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود: من الآية 52]، والحقّ تعالى هنا يُعَلِّق إرسال المطر باستغفارهم، وفي سورة نوح أيضاً يُعَلِّقه باستغفارهم، يقول تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾، ولقائلٍ أن يقول: ما صلة الاستغفار بمسألةٍ كونيّةٍ، مثل نزول المطر؟ فنقول: للكون مالكٌ لكلّ ما فيه، جماده ونباته وحيوانه، وهو القادر تعالى أن يُخرِج الأشياء عن طبيعتها، فإذا جاءت غَيْمة وتحسب أنّها مُمطِرَة قد يأمرها الحقّ تعالى فلا تُمطِر، مثلما قال الحقّ تعالى في موضعٍ آخر من كتابه: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: من الآية 24]، فلا تأخذوا الأسباب على أنّها تأتيكم برتابة، ولتعلموا أنّ للأسباب ربّاً يملكها بأمره تعالى يستطيع أن يجعلها تفعل فعلها، فيجعل السّماء لا تُمطِر لكم ماء ولو كان هناك غيوم، فتصبح أرضكم جرداء لا نباتَ فيها، ولا حيوان، فلن تجدوا نباتاً ولا لحماً تأكلونه.

﴿مِدْرَارًا ﴾: المدرار هو الّذي يُدرّ بتتابعٍ لا ضرر فيه، فالمطر قد يهطل بطغيان ضارّ، أمّا المدرار فهو المطر الّذي يتوالى توالياً مُصلحاً لا مُفسداً، ومتى أُرسِل المطر مدراراً متتابعاً مصلحاً، فالأرض تخضرّ، وتعمر الدّنيا، ونزداد قوّة إلى قوّتنا، فالماء هو مادّة حياة البشر وقوّتهم، لذلك حدّثنا الحقّ تعالى بعدها فقال: