﴿قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ ﴾: لم يقولوا: بلى، بل قالوا أكثر من ذلك: شهدنا على أنفسنا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النّور]، تشهد عليهم أبعاضهم.
﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾: الحياة الدّنيا هي متاع الغرور، أي يغترّ الإنسان بالمال والبنين وكثرة الزّينة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ]الكهف[، إذاً غرّتهم الحياة الدّنيا واعتقدوا أنّ أموالهم ستبقى لهم، وأنّها غاية المنتهى، ولكن سرعان ما انقضت الأيام وأدركوا أنّ هذه الدّنيا متاعٌ زائلٌ، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريبٌ أو عابر سبيلٍ»([1])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما لي وما للدّنيا، ما أنا في الدّنيا إلّا كراكبٍ استظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها»([2])، هذه هي الحياة الدّنيا، وقد قيل:
هَبْ أنّك قد ملكت الأرضَ طُرّاً |
ودانَ لك البلاد فكان ماذا؟! |
غرّتهم الحياة الدّنيا وهم من عالم الأغيار، فالإنسان يكون صغيراً فيكبر ويكون صحيحاً فيمرض ويكون غنياً فيفتقر ويكون حيّاً فيموت.
﴿وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾: اعترفوا بأنّهم كفروا بالله سبحانه وتعالى وجحدوا نعمته وتكبّروا واستكبروا وعتوا عتوّاً كبيراً.