الآية رقم (130) - يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ

﴿قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ ﴾: لم يقولوا: بلى، بل قالوا أكثر من ذلك: شهدنا على أنفسنا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النّور]، تشهد عليهم أبعاضهم.

﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾: الحياة الدّنيا هي متاع الغرور، أي يغترّ الإنسان بالمال والبنين وكثرة الزّينة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ]الكهف[، إذاً غرّتهم الحياة الدّنيا واعتقدوا أنّ أموالهم ستبقى لهم، وأنّها غاية المنتهى، ولكن سرعان ما انقضت الأيام وأدركوا أنّ هذه الدّنيا متاعٌ زائلٌ، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريبٌ أو عابر سبيلٍ»([1])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما لي وما للدّنيا، ما أنا في الدّنيا إلّا كراكبٍ استظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها»([2])، هذه هي الحياة الدّنيا، وقد قيل:

هَبْ أنّك قد ملكت الأرضَ طُرّاً
أليس غداً مصيرك جوف قبرٍ                     .

ودانَ لك البلاد فكان ماذا؟!
ويحثو التّرب هذا ثمّ هذا؟!
.

غرّتهم الحياة الدّنيا وهم من عالم الأغيار، فالإنسان يكون صغيراً فيكبر ويكون صحيحاً فيمرض ويكون غنياً فيفتقر ويكون حيّاً فيموت.

﴿وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾: اعترفوا بأنّهم كفروا بالله سبحانه وتعالى وجحدوا نعمته وتكبّروا واستكبروا وعتوا عتوّاً كبيراً.


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الرّقاق، باب قول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «كن في الدّنيا كأنّك غريبٌ أو عابر سبيلٍ»، الحديث رقم (6053).
([2]) سنن التّرمذيّ: كتاب الزّهد، باب 44، الحديث رقم (2377).

يا: أداة نداءَ

معْشَرَ: منادى مضاف منصوب.

الْجِنِّ: مضاف إليه.

والْإِنْسِ: معطوف، وجملة النداء مقول القول لفعل محذوف تقديره يقال لهم.

ألَمْ يَأْتِكُمْ: مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة لأنه معتل الآخر والكاف مفعولهُ

رسُلٌ: فاعله

منْكُمْ: متعلقان بمحذوف صفة رسل وجملة ألم يأتكم مقول القول لفعل محذوف أيضا.

يقُصُّونَ عَلَيْكُمْ: فعل مضارع نعلق به الجار والمجرور والواو فاعله.

يأتِي: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. وياء المتكلم مضاف إليه والجملة في محل رفع صفة ثانية الرسل.

يُنْذِرُونَكُمْ: فعل مضارع وفاعل ومفعول به أول.

لقاءَ: مفعول به ثان.

يوْمِكُمْ: مضاف إليه.

هذا: اسم إشارة في محل جر صفة والجملة معطوفة. وجملة قالوا استئنافية لا محل لها.

شهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا: فعل ماض تعلق به الجار والمجرور ونا فاعله والجملة مقول القول.

غَرَّتْهُمُ: فعل ماض ومفعوله والواو اعتراضية.

الْحَياةُ: فاعله

الدُّنْيا: صفة والجملة اعتراضية لا محل لها.

وشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ: فعل ماض مبني على الضم تعلق به الجار والمجرور والواو فاعله، والجملة معطوفة على شهدنا

أنهم: أنّ واسمها

كانُوا: كان واسمها.

كافِرِينَ: خبر كان منصوب بالياء والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها في محل جر بحرف الجر المحذوف والتقدير شهدوا بكونهم كافرين.

جملة كان واسمها وخبرها في محل رفع خبر أن.

ألَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ: أي من مجموعكم، ويصدق ذلك على بعض الإنس: لأن الرسل من الإنس، ولم يكن من الجن رسول، فهذا من باب التغليب، كقوله تعالى: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن 55/ 22] وإنما يخرجان من البحر المالح لا العذب.

يقُصُّونَ عَلَيْكُمْ: يخبرونكم بها مع التوضيح والتبيان.

ِشهدْنا عَلى أَنْفُسِنا: أن قد بلّغنا

غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا: أي خدعتهم الدنيا بزخارفها فلم يؤمنوا.