الآية رقم (1) - يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ

يُخاطِب الحقّ تعالى نبيّه وحبيبه محمّداً ﷺ ليقرّبه إليه أكثر، ويطلب منه أن يقوم من اللّيل متهجِّداً عابداً متقرِّباً إليه تعالى، وفي آيةٍ أخرى يقول تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[الإسراء]، فالهجود هو النّوم، وتهجَّد؛ أي: أزاح النّوم والهجودَ عن نفسه، وهو خصوصيّة لرسول الله ﷺ وزيادة على ما فرض على أمّته أن يتهجّد لله عز وجل في اللّيل، وإن كانت فرضاً عليه، إلّا أنّها ليست في قالبٍ من حديد، بل له ﷺ مساحة من الحريّة في هذه العبادة، المهمّ أن يقوم لله تعالى جزءاً من اللّيل، يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾[الفرقان]، فحين يأوي الإنسان إلى بيته بعد عناء اليوم وسعيه يتذكّر نِعَم الله عز وجل الّتي تجلّت عليه في ذلك اليوم، وهي نِعَم ليست ذاتيّة فيه، وإنّما موهوبة له من الله تعالى، لذلك يتوجّه إليه تعالى بالشّكر عليها فيبيت لله تعالى ساجداً وقائماً، وليس المراد قيام اللّيل كلّه، إنّما جزءٌ منه، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: “مَنْ صلّى بعد العشاء ركعتين فأكثر كان كـمَنْ بات لله ساجداً وقائماً”.

﴿الْمُزَّمِّلُ﴾: أصله المتزمّل، وهو الّذي تزمَّل في ثيابه؛ أي: تلفّف، وقد كان النّبيّ ﷺ يتزمّل في ثيابه أوّل ما جاءه جبريل عليه السلام فَرَقاً منه، فكان يقول: زمّلوني، زمّلوني، حتّى أنس به.

والمزّمّل أيضاً حامل النّبوّة، والمعنى زملتَ هذا الأمر فقُمْ به واحمله، فإنّه أمرٌ عظيم.

ويُروى في سبب نزول هذه السّورة أنّ قريشاً اجتمعت في دار النّدوة تكيد لرسول الله ﷺ، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فاغتمّ له والتفّ بثيابه وتزمّل ونام مهموماً، فجاءه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، كأنّ الحقّ تعالى يقول لنبيّه ﷺ: لا تغتمّ ولا تحزن، فراحتك في قُرْبِك منّي، قُمْ بين يديّ يذهب عنك ما تشعر من ألم من قومك، لذلك كان رسول الله ﷺ يقول دائماً لبلال رضي الله عنه: «يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا»([1])، فالصّلاة راحةٌ لقلبه ونفسه وروحه من تعب وشقاء الحياة وأكدارها، فمن حبّه لله عز وجل أصبحت طاعته تعالى وعبادته مرغوبة مُحبّبة إلى النّفس، وهناك أناس ألفوا وعشقوا الرّاحة بالصّلاة حينما يحزبهم ويشتدّ عليهم أمرٌ خارجٌ عن نطاق أسبابهم، فعشق التّكليف يدلّ على أنّك ذقت حلاوة الطّاعة.

([1]) سنن أبي داود: كِتَاب الْأَدَبِ، بَابٌ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ، الحديث رقم (4985).