الآية رقم (28) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

(نَجَسٌ): شيءٌ خبيثٌ لفساد بواطنهم.

(فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ): أي لا يدخلوا الحرم.

(بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ): وهو العام التّاسع من الهجرة.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً): فقراً بانقطاع تجارتهم عنكم.

عن حميد بن عبد الرّحمن أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النّحر نؤذّن بمنى ألّا يحجّ بعد العام مُشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال حميد بن عبد الرّحمن رضي الله عنه ثمّ أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً -كرّم الله وجهه- فأمره أن يؤذّن بـ (براءة). قال أبو هريرة رضي الله عنه فأذّن معنا عليٌّ في أهل منى يوم النّحر لا يحجّ بعد العام مُشرِك ولا يطوف بالبيت عريان([1]).

فقد مُنع المشركون من دخول المسجد الحرام، نتيجة نجاستهم الفكريّة والمعنويّة، فالمسجد الحرام قبلة المسلمين، وهو أوّل بيتٍ وُضع للنّاس لعبادة الله سبحانه وتعالى، فلا بدّ من تطهيره من مظاهر الشّرك.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ): وإن خفتم فقراً لانقطاع تجارتهم عنكم فإنّ الله سبحانه وتعالى سيعوّضكم عنها ويكفيكم من فضله إن شاء جلّ جلاله ، وقد أثبتت الأيّام صحّة ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وكيف بارك الله سبحانه وتعالى لهم بالرّزق استجابةً لدعوة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ)   [البقرة: من الآية 126].

سبب النّزول: عن سعيد بن جبير قال: لـمّا نزلت: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ)، شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: من يأتينا بطعامنا، ومن يأتينا بالمتاع؟ فنزلت:  (وإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ).

(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): فهو عليمٌ بحالكم، حكيمٌ في تدبير شؤونكم.


([1]) صحيح البخاريّ: أبواب الصّلاة في الثّياب، باب ما يستر العورة، الحديث رقم (362).

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: تكرر إعرابها فيما سبق.

إِنَّمَا: كافة ومكفوفة.

الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ: مبتدأ وخبر والجملة ابتدائية.

فَلا يَقْرَبُوا: مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعل. ولا ناهية جازمة، والفاء قبلها هي الفصيحة.

الْمَسْجِدَ: مفعول به.

الْحَرامَ: صفة.

بَعْدَ: ظرف زمان متعلق بالفعل.

عامِهِمْ: مضاف إليه والهاء في محل جر بالإضافة.

هذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر صفة، والجملة الفعلية لا محل لها لأنها جواب شرط مقدر.

وَإِنْ: الواو استئنافية.

إِنْ: شرطية جازمة.

خِفْتُمْ عَيْلَةً: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل المتحركة، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم لجمع الذكور وعيلة مفعوله، والفعل في محل جزم فعل الشرط، وجملة فعل الشرط ابتدائية.

فَسَوْفَ: حرف استقبال والفاء رابطة لجواب الشرط.

يُغْنِيكُمُ: مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به. والميم لجمع الذكور.

اللَّهُ: لفظ الجلالة فاعل.

مِنْ فَضْلِهِ: متعلقان بالفعل، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

إِنْ: حرف شرط جازم.

شاءَ: فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: إنَّ ولفظ الجلالة اسمها وعليم حكيم خبراها والجملة مستأنفة.

نجس: ونجاسة: قذارة وعدم نظافة، وإذا وصف به الإنسان كان المراد أنه شرير خبيث النفس، وإن كان طاهر البدن. والناجس والنجيس: داء خبيث لا دواء له. وفي اصطلاح الفقهاء: ما يجب تطهيره، سواء كان قذرا كالبول أو غير قذر كالخمر مثلاً.

الْمَسْجِدَ الْحَرامَ: المراد به في رأي عطاء: الحرم كله وهو مكة. وهو مذهب الشافعية أيضا. ورأى المالكية أن المراد خصوص المسجد الحرام، أخذا بظاهر اللفظ، ولكن بقية المساجد تقاس عليه لأن العلة وهي النجاسة موجودة في المشركين، والحرمة موجودة في كل مسجد، فلا يجوز تمكينهم من دخول المسجد الحرام والمساجد كلها. ومذهب الحنفية: ليس المراد النهي عن دخول المسجد الحرام، وإنما المراد النهي عن أن يحج المشركون ويعتمروا، كما كانوا يعملون في الجاهلية.

بَعْدَ عامِهِمْ: هذا العام التاسع من الهجرة

عَيْلَةً: فقراً بانقطاع تجارتهم عنكم، وفعله:عال يعيل عيلا وعيلة فهو عائل. وأعال: كثر عياله، ويعول عيالاً كثيرين، أي يمونهم ويكفيهم معاشهم

مِنْ فَضْلِهِ: عطائه وتفضله وقد أغناهم بالفتوح والجزية