الآية رقم (178) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ

نقف هنا عند مدلول هذه الآية تحديداً، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الله سبحانه وتعالى يقول: أنا لا أكلّفكم اقتحاماً على إرادتكم، لكنّكم أنتم آمنتم، ومن لم يؤمن فليس مكلّفاً، هل قال أحدٌ: إنّ الإيمان بالإجبار؟ لكن إن أنت اخترت الدّين فعليك العمل بمتطلّباته، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي يا من آمنتم بي خذوا بتكليفي، فليس هناك اقتحام على الإرادة، وهنا ينبغي الانتباه إلى أنّ من يأتي ممّن انتسب إلى الإيمان في هذا العصر ليقول: أنا حرّ، أنت لست حرّاً هنا، أنت حرّ أنّ تؤمن أو تكفر، حرّ أن تأخذ بالإسلام أو لا تأخذ به، لكن إن اخترت الإسلام فلست حرّاً أن تخرّب الإسلام، ولست حرّاً في أن تتفلّت من تعاليمه، ولست حرّاً في أن تزعم أنّ الإسلام لم يحرّم الرّبا والخمر، وأنّ حجاب المرأة ليس مفروضاً… إلخ، لست حرّاً في أن تلصق بالدّين ما ليس منه، ولا أن تحلِّل ما حرّم الله ولا تحرّم ما أحلّه، هناك قضايا ثابتة بالدّين وثابتة بنصوص الكتاب والسُّنّة، ولا اجتهاد في مورد النّصّ، فليسمع القاصي والدّاني، شهادةُ حُسنِ سلوكنا هي ديننا فلسنا بحاجة لأن نقدّم شهادة حسن سلوك لأحد، وأن نميّع الدّين ونقول: إنّ هذا ليس من الدّين وهذا ليس صحيح لا يوجد بالدّين، ونُحلّل الحرام ونُحرّم الحلال و… ثمّ نقول: هكذا الإسلام، لا ليس الإسلام هكذا، الإسلام هو ما قاله الله تعالى وما جاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾: لماذا يوجد قصاص؟ لو لم يكن هناك قصاص لتحوّلت الدّنيا إلى غابة، القصاص من أجل أن يكون هناك حياة، فالقصاص في القتلى، ليس الإنسان حرّاً في أن يقتل إنساناً، لا بدّ أن يكون هناك قصاص.

﴿الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾: فإن قتل حرّ عبداً، أو قتل ذكرٌ أنثى، فما معنى هذا؟ الآن يأتي المتطرّفون والّذين لا يفهمون من الدّين شيئاً ويفسّرون هذه الآية: ﴿الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾ فإذا افترضنا أنّ ذكراً قتل أنثى، فما هي الدّيّة؟ إذا الذّكر قتل أنثى وإذا الحرّ قتل عبداً أو إذا عبد قتل حرّاً، ما الحكم؟

يا أَيُّهَا: يا حرف نداء. أيها أي منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم والهاء للتنبيه.

الَّذِينَ: اسم موصول بدل من أي.

آمَنُوا: فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.

كُتِبَ: فعل ماض مبني للمجهول.

عَلَيْكُمُ: جار ومجرور متعلقان بكتب.

الْقِصاصُ: نائب فاعل.

فِي الْقَتْلى: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من القصاص وجملة النداء استئنافية لا محل لها.

الْحُرُّ: مبتدأ.

بِالْحُرِّ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبره والجملة مستأنفة.

وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ: معطوفة وكذلك «وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى» معطوفة مثلها.

فَمَنْ: الفاء استئنافية من اسم شرط جازم مبتدأ وقيل موصولة.

عُفِيَ: فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط.

لَهُ: متعلقان بالفعل عفي.

مِنْ أَخِيهِ: من حرف جر أخيه اسم مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة والهاء في محل جر بالإضافة والجار والمجرور متعلقان

بمحذوف حال من شيء.

شَيْءٌ: نائب فاعل.

فَاتِّباعٌ: الفاء رابطة لجواب الشرط. اتباع مبتدأ مؤخر والخبر محذوف والتقدير فعليه اتباع والجملة في محل جزم جواب الشرط وخبر

المبتدأ من فعل الشرط وجوابه.

بِالْمَعْرُوفِ: جار ومجرور متعلقان بالمصدر أداء.

وَأَداءٌ: معطوفة على اتباع.

بِإِحْسانٍ: متعلقان بأداء أيضًا.

ذلِكَ: اسم إشارة مبتدأ.

تَخْفِيفٌ: خبره.

مِنْ رَبِّكُمْ: جار ومجرور متعلقان بتخفيف.

وَرَحْمَةٌ: عطف على تخفيف.

فَمَنْ: الفاء عاطفة، من شرطية مبتدأ.

اعْتَدى: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر وهو فعل الشرط والفاعل هو.

بَعْدَ: ظرف زمان متعلق باعتدى.

ذلِكَ: اسم إشارة في محل جر بالإضافة.

فَلَهُ: الفاء رابطة لجواب الشرط. له جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر.

عَذابٌ: مبتدأ.

أَلِيمٌ: صفة والجملة في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من

كُتِبَ: فرض عليكم، ولزم عند مطالبة صاحب الحق به، كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة 2/ 183] ومنه الصلوات المكتوبات.

الْقِصاصُ: المماثلة في القتلى وصفاً وفعلًا، أي أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، يعني أن يقتل القاتل، لأنَّه مساو للمقتول في نظر الشرع.

فِي الْقَتْلى: بسبب القتلى، جمع قتيل، كالصرعى جمع صريع، وإنما يكون فعلى جمعاً لفعيل: إذا كان وصفاً دالًا على الزمانة.

الْحُرُّ بِالْحُرِّ.. إلخ: أي يقتل الحر بالحر ولا يقتل بالعبد، ويقتل العبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، وبينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى، وأنه تعتبر المماثلة في الدين، فلا يقتل مسلم ولو عبدًا بكافر ولو حراً، وهو رأي الجمهور غير الحنفية.

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: أي من عفي له من جهة ولي الدم شيء من العفو، والعفو يطلق على معان، المناسب منها هنا اثنان: العطاء، والإسقاط والترك.

فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ: أي فليكن مطالبة للدية بالمعروف بلا تعسف ولا عنف ومن غير شطط وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ أي وتأدية من جهة الجاني للمجني عليه من غير مماطلة ولا تعب ولا بخس حق.

ذلِكَ: الحكم المذكور من العفو والدية

تَخْفِيفٌ: تسهيل.

وَرَحْمَةٌ: بكم.

فَمَنِ اعْتَدى: أي انتقم من القاتل بعد العفو.

فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ: مؤلم في الآخرة بالنار أو في الدنيا بالقتل