الآية رقم (29) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾: لماذا يمثّل المال بالأكل؟ لأنّ الشّيء الّذي في فكر الإنسان هو الطّعام، وتحويل المال إلى طعامٍ كأنّك تأكل أكلاً، والمال إذا كان حلالاً ينبت منه اللّحم الحلال، وإن كان حراماً فكلّ ما نبت منه فالنّار أولى به.

﴿لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾: وهل يأكل الإنسان ماله بالباطل؟ نعم، النّفس البشريّة هي كنفسٍ واحدةٍ، والمؤمنون كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى»([1])، فمعنى أكلتَ مالك بالباطل؛ أي أنفقت مالك في الموبقات، وفي غير الإعمار والبناء والعطاء والخير والبركة، أو تاجرتَ بالممنوعات وبما يغضب الله سبحانه وتعالى ويسيء للآخرين، أو أنّك أخذت رشوةً، أو سرقت، أو…، وكذلك أيضاً تصحّ ﴿لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ أي لا يأكل أحدٌ مال أخيه؛ لأنّ مالك ومال أخيك كالمال الواحد، فأخوك في الوطن وفي الإنسانيّة وفي البشريّة، ولا يحقّ لك أن تأكل مال الغير بالباطل، والباطل هو أن تأخذ الشّيء بغير حقّه.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: سبق إعرابها

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعل وأموالكم مفعول به

بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ: الظرف متعلق بالفعل قبله وكذلك الجار والمجرور

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً: فعل مضارع ناقص وخبرها، واسمها ضمير مستتر أي: إلا أن تكون التجارة تجارة، والمصدر المؤول في محل نصب على الاستثناء

عَنْ تَراضٍ: متعلقان بمحذوف صفة لتجارة

مِنْكُمْ: متعلقان بتراض

وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ: الجملة معطوفة على لا تأكلوا أموالكم وهي مثلها

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً: إن واسمها وكان وخبرها الذي تعلق به الجار والمجرور قبله واسمها محذوف والجملة خبر إن وجملة «أَنْ» تعليلية لا محل لها.

لا تَأْكُلُوا: أي لا تأخذوا، وعبّر عن الأخذ بالأكل لأنه المقصود المهم.

بِالْباطِلِ: بالحرام في الشرع كالرّبا والقمار والغصب.

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ: أي لكن أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة عن طيب نفس، فلكم أن تأكلوها.

وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ: أي لا يقتل بعضكم بعضًا، أو لا تقتلوا أنفسكم بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها، أيّا كان في الدّنيا أو في الآخرة بقرينة.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً: في منعه لكم من ذلك.