الآية رقم (168) - يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ

نلاحظ دقّة الأداء القرآنيّ، وعلينا دائماً أن نضع المعادلة: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [النّساء: من الآية 82]، فلو أنّ القرآن كتبه بشر فلا يخطر بباله أبداً أن تكون الجملة بهذا الشّكل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا﴾ الحلال الطيّب يأتي معه الخطاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لماذا؟ لأنّ المؤمن هو الّذي يستجيب لمتطلّبات الإيمان، أمّا النّاس بمجموعهم فمنهم الكافر ومنهم المؤمن، الله يعطي الدّنيا لمن يحبّ ولمن لا يحبّ، ويعطي الدّين لمن أحبّ، ولكن عندما يعطي الشّمس والهواء والماء والرّزق والخير والصّحة والمال يعطيها لكلّ البشر المؤمن منهم والكافر، فقط عندما يتكلّم عن شيء إيمانيّ يقول تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، إذا كان هناك تكليف يقول تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: من الآية 183]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحجّ]، وهكذا.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ﴾: الأكل عنوان عامّ، والإنسان يعيش على مستلزمات الحياة ومنها الطّعام الّذي هو وقود الجسد؛ لأنّ الله عندما يخاطب الإنسان بشكلّ عامّ لا يقصر خطابه على الّذين آمنوا، وإنّما يشمل بقوله المؤمنين وغيرهم، فهو عزَّ وجلّ خلق ما في الأرض جميعاً للنّاس جميعاً؛ لأنّ عطاء الرّبوبيّة لكلّ البشر، من آمن منهم ومن لم يؤمن، وكأنّه يقول للكافرين: حتّى ولو لَـم تؤمنوا فخذوا بنصيحة المؤمنين واستعملوا الأشياء الحلال؛ لأنّها تُفيدكم في حياتكم، فعندما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا﴾ فهو من باب النّصيحة لغير المؤمن

يا أَيُّهَا: يا أداة نداء أي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه.

النَّاسُ: بدل من أي.

كُلُوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل.

مِمَّا: من وما الموصولية وهما جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.

فِي الْأَرْضِ: متعلقان بمحذوف صلة الموصول.

حَلالًا: حال من ما أو مفعول به.

طَيِّباً: صفة.

وَلا: الواو عاطفة لا ناهية جازمة.

تَتَّبِعُوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل.

خُطُواتِ: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم.

الشَّيْطانِ: مضاف إليه. والجملة معطوفة.

إِنَّهُ: إن واسمها.

لَكُمْ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لعدو لأنه تقدم عليه.

عَدُوٌّ: خبر.

مُبِينٌ: صفة لعدو.

(إنَّه لكم): تعليلية لا محل لها.

حَلالًا طَيِّباً: الحلال: هو ما أباحه الشرع، والحرام: ما حرمه الشرع وطَيِّباً صفة مؤكدة، أي مستلذاً خُطُواتِ جمع خطوة أي طرق الشيطان أي تزيينه والسير على طريقته عَدُوٌّ مُبِينٌ بيّن العداوة لذوي البصائر يَأْمُرُكُمْ أي يوسوس لكم ويتسلط عليكم كأنه آمر مطاع بِالسُّوءِ: ما يسوء وقوعه أو عاقبته أي السيء القبيح وَالْفَحْشاءِ كل ما يقبح شرعًا أو في أعين الناس من المعاصي: وهي ما تجاوز الحد في القبح، مما ينكره العقل ويستقبحه الشرع، فهي أقبح وأشد من كلمة بِالسُّوءِ. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ من تحريم ما لم يحرم وغيره.

خُطُواتِ الشَّيْطانِ: استعارة عن الاقتداء به واتباع آثاره.