الآية رقم (171) - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً

نحن لم نشهد ذلك، لكن عندما جاء العلم شهدنا نقض عمليّة الحياة بالموت، فعند موت الإنسان تكون النّهاية عكس البدايات، أوّلاً تخرج منه الرّوح ومن ثمّ يتصلّب جسمه ويصبح صلصالاً، وبعدها يصبح كالطّين ثمّ يتحلّل إلى التّراب، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ﴾ [طه]، أي خلقناكم من تراب الأرض، ويقول جلّ وعلا: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: من الآية 30]، ومع تقدّم العلم وجدوا أنّ ستّين بالمئة من جسم الإنسان ماء، فنسبة الماء في الدّم ثمانون بالمئة منه، وكذلك في العضلات، أمّا في العظام فنسبته عشرون بالمئة، وفي الدّماغ خمسٌ وثمانون بالمئة، وثبت علميّاً أيضاً أنّ مركّبات الأرض الّتي منها خُلقنا هي ذات مركّبات الإنسان؛ أوكسجين وكربون وهيدروجين وكلور وكبريت وكالسيوم وفوسفور وبوتاسيوم وصوديوم وحديد ويود ومنغنيز.. المهمّ بأنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [آل عمران]، هناك نفخٌ من روح الله سبحانه وتعالى وهناك كلمة ﴿كُن﴾، عندما جاء سيّدنا جبريل عليه السَّلام إلى السّيّدة مريم عليها السّلام قالت: ﴿قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ [مريم]، أمراً مقضيّاً بكلمة: ﴿كُن﴾.

 ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾: الكلمة التي أُلقيت هي: ﴿كُن﴾، فكان بقدرة الله سبحانه وتعالى، والرّوح هو النّفخ الّذي جاء به جبريل عليه السَّلام.

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب العلم، باب هلك المتنطّعون، الحديث رقم (2670)، المتنطّعون: أي المتعمّقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ: يا أداة نداء أهل منادى مضاف منصوب الكتاب مضاف إليه لا ناهية جازمة تغلوا مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعله والجار والمجرور متعلقان بالفعل والجملة ابتدائية

وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ: لفظ الجلالة مجرور بعلى الجار والمجرور متعلقان بالفعل إلا أداة حصر الحق مفعول به

إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: عيسى بدل من المبتدأ قبله مرفوع بالضمة المقدرة بن صفة أو بدل مريم مضاف إليه مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث «رَسُولُ اللَّهِ» رسول خبر ولفظ الجلالة مضاف إليه وإنما كافة ومكفوفة والجملة تعليلية.

وَكَلِمَتُهُ: عطف على رسول

أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ: فعل ماض تعلق به الجار والمجرور والهاء مفعوله وفاعله مستتر والجملة في محل نصب حال

وَرُوحٌ مِنْهُ: عطف ومنه متعلقان بمحذوف صفة روح

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ: فعل أمر تعلق به الجار والمجرور والواو فاعله والجملة لا محل لها جواب شرط مقدر غير جازم لأنها بعد فاء الفصيحة.

وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ: ثلاثة خبر لمبتدأ محذوف تقديره آلهتنا ثلاثة والجملة الاسمية مقول القول والجملة الفعلية معطوفة

انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ: تقدم إعراب ما يشبهها في الآية السابقة

إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ: لفظ الجلالة مبتدأ وإله خبر وإنما كافة ومكفوفة

واحِدٌ: صفة والجملة مستأنفة

سُبْحانَهُ: مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا

أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ: له متعلقان بمحذوف خبر يكون وولد اسمها والمصدر المؤول من أن والفعل الناقص في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بالمصدر سبحانه أي: سبحانه من كونه له ولد.

لَهُ ما فِي السَّماواتِ: له متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ ما وفي السموات متعلقان بمحذوف صلة الموصول

وَما فِي الْأَرْضِ: عطف

وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا: وهذه الجملة والتي قبلها مستأنفتان.

يا أَهْلَ الْكِتابِ أي الإنجيل والمراد بهم هنا النصارى

لا تَغْلُوا: لا تتجاوزوا الحد بالتفريط أو الإفراط

إِلَّا الْحَقَّ: أي إلا القول الحق من تنزيهه عن ال:شريك والولد

وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ: المراد أنه حدث بكلمة لكِنْ التكوينية، لا بمادة أخرى كغيره من الناس، وأوصلها الله إلى مريم.

وَرُوحٌ مِنْهُ: أي ذو روح من الله تعالى أي وجد بنفخ من روح الله وهو جبريل، وأضيف إليه تعالى تشريفا له، وليس كما زعمتم: ابن الله، أو إلهًا معه، أو ثالث ثلاثة لأن ذا الروح مركب، والإله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه.

وَلا تَقُولُوا: ثَلاثَةٌ أي ولا تقولوا: الآلهة ثلاثة: الله وعيسى وأمه

انْتَهُوا عن ذلك خَيْراً: وأتوا خيراً لكم منه وهو التوحيد

سُبْحانَهُ: تنزيهًا له عن الولد.

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: خلقًا وملكاً وعبيدًا، والملكية تنافي البنوة.

وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا: شهيداً على ذلك.ْ