الآية رقم (15 و 16) - وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا () قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا

تلك متعة أخرى ونعيم آخر، فلن يُترَك الإنسان المؤمن هكذا، بل سيطوف عليه ولدان مخلّدون بآنية من فضّة وأكواب فيها من أصناف الشّراب ما تلذّ به الأعين قبل أن تلتذّ به ألسنتهم وأفواههم.

﴿بِآنِيَةٍ﴾: فالآنية الّتي فيها الشّراب كيزان وأكواب بدون عُرى، فليس لها يدٌ تمسَك بها؛ لأنّ الإنسان في الدّنيا يحتاج العُرَى في الأكواب ليتجنّب حرارة الشّراب السّاخن، أمّا في الجنّة فلن يجد ما يكدِّره أو يزعجه، فكانت كيزاناً وأكواباً دون عُرَى.

والغريب أنّها تجمع بين أنّها من فضّة وأنّها صافية كالزّجاج، ترى الشّراب فيها وهي بعيدة عنك، فإذا كانت الأكواب في الدّنيا من قوارير؛ أي: من زجاج يُصنَع من الرّمل، فإنّ أكواب وقوارير الجنّة من فضّة، ولكنّها في صفاء الزّجاج، فلا تخشَ أن تنكسر أو يصيبك منها ضرر، لقد اجتمع لهذه الآنية والأكواب صفاء القوارير وشفوفها ورقّتها مع أنّها من فضّة، ولكن هل هناك فرق بين الآنية والأكواب؟

نقول: نعم،  فالآنية هي الأباريق الّتي يكون فيها الشّراب ثمّ يُصَبّ منها في الأكواب، لذلك قال تعالى: ﴿بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾، ففرَّق بين الصّنفين، ولكن هل معنى هذا أنّ الآنية الّتي من فضّة هي غير شفّافة؟ أمّا الأكواب فهي فقط الّتي كانت قوارير؛ أي: مثل القوارير في صفائها وشفافيّتها مع أنّها من الفضّة؟ ولو تأمّلنا هذا لوجدنا فيه معنى جميلاً، فعندما ترى الإبريق غير شفّاف تكون مشتاقاً لمعرفة ما فيه، فإذا به عندما يُصَبّ منه في الكوب الشّفاف تسعد أكثر.

وحتّى في بناء الآية تجد تشويقاً، فالآية الأولى تنتهي عند قوله تعالى: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾، ولكنّ الله تعالى لا يتركك هكذا، بل يحدّد فيقول: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾فتزداد عجباً ﴿قَوَارِيرَا﴾.. ﴿ مِنْ فِضَّةٍ﴾ زجاج من فضّة وليس من الرّمل!!

﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾: يزيدك الله تعالى عجباً أنهم ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾، فمن صبّ لك الشّراب في الكوب الخاصّ بك، صبّ لك على قدر احتياجك بالضّبط بما يرويك، لا نقص بحيث تحتاج إلى أكثر، ولا زيادة بحيث تحتار أين تذهب بما تبقّى في الكوب، فكيف عرف من صبّ لك قدر احتياجك؟!

ولكن لماذا قال: ﴿قَدَّرُوهَا﴾؟ فهل هم قدّروا الأكواب أو أنّهم قدّروا الشّراب الّذي في الأكواب؟ لو كانت الأولى فهذا معناه كلّ مُنَعّم له كوبٌ أو أكواب خاصّة به قُدِّرَت قدر ريِّه، وإن كانت الثّانية فالأمر أعجب؛ لأنّ الشّراب يوضع في الكوب على قدر ريّ الإنسان وحاجته، فكأنّ من يصبّ الشّراب عنده معرفة ودراية أو شيء من هذا بقدر ريّ كلّ شخص، وصدق رسول الله ﷺ الّذي نقل لنا عن ربّ العزّة الحديث القدسيّ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»([1]).

([1]) صحيح البخاريّ: كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ، الحديث رقم (3244).

«وَيُطافُ» مضارع مبني للمجهول

«عَلَيْهِمْ» متعلقان بالفعل

«بِآنِيَةٍ» متعلقان بالفعل

«مِنْ فِضَّةٍ» صفة آنية والجملة معطوفة على ما قبلها

«وَأَكْوابٍ» معطوف على ما قبله

«كانَتْ» ماض ناقص اسمه مستتر

«قَوارِيرَا» خبره والجملة الفعلية صفة أكواب.

«قَوارِيرَا» بدل مما قبله

«مِنْ فِضَّةٍ» صفة قوارير

«قَدَّرُوها» ماض وفاعله ومفعوله

«تَقْدِيراً» مفعول مطلق والجملة حال.