الآية رقم (45) - وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ هذه الدّنيا الّتي يحرص عليها الإنسان، ويأخذ حظّه فيها، وقد ينسى الآخرة بسببها، إذا ما قامت القيامة، فإنّه يشعر كأنّه لم يلبث فيها إلّا ساعةً، والسّاعة الّتي يتحدّث عنها سبحانه وتعالى في هذه الآية هي جزءٌ من الوقت، فاليوم مقسّمٌ إلى أربعٍ وعشرين ساعةً، والتّوقيت ثابتٌ بمقدار السّاعة والدّقيقة والثّانية منذ آدم عليه السلام حتّى يوم القيامة، فهم يُفاجؤون أنّ دنياهم الطّويلة والعريضة كلّها مرّت وكأنّها ساعةٌ من هذه السّاعات، وهكذا يكتشفون قِصر ما عاشوا من وقتٍ، وبأنّهم لم ينتفعوا بهذه السّاعة الّتي مرّت، فهي مدّةٌ من الزّمن لا قيمة لها.

﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾: يوم الحشر ينقسم النّاس إلى قسمين، القسم الأوّل كانوا يتعارفون على البرّ، والقسم الثّاني كانوا يتعارفون على الإثم، فالّذين تعارفوا في الحياة الدّنيا على البرّ يفرحون ببعضهم بعضاً، وأمّا الّذين تعارفوا في الحياة الدّنيا على الإثم فهم يتنافرون بالعداء، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ {الزّخرف}.

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾: أي أنّ الله سبحانه وتعالى لم يكن في بالهم وفي حياتهم حين قامت السّاعة، فلم يكونوا يؤمنون بأنّ هناك لقاءً مع الله سبحانه وتعالى قال جل جلاله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ {النّور}.

﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾: أي لم يسيروا على المنهج الّذي وضعه لهم خالقهم سبحانه وتعالى، والهداية: هي الطّريق الّذي إذا سار فيه الإنسان، فإنّه يؤدّي به إلى تحقيق المهمّة المطلوبة منه؛ لأنّ الحقّ سبحانه وتعالى جعل هذا الإنسان خليفةً في الأرض، فمن لا يؤمن بربّ المنهج، ولا يطبّق المنهج، فهو إلى الخسران المبين الواضح.

«وَيَوْمَ»: الواو استئنافية ويوم ظرف زمان متعلق بفعل محذوف تقديره واذكر والجملة مستأنفة.

«يَحْشُرُهُمْ»: مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة مضاف إليه.

«كَأَنْ»: مخففة من كأن واسمها ضمير الشأن والجملة حالية.

«لَمْ يَلْبَثُوا»: مضارع مجزوم بلم بحذف النون والواو فاعله والجملة خبر.

«إِلَّا»: أداة حصر.

«ساعَةً»: ظرف زمان متعلق بيلبثوا.

«مِنَ النَّهارِ»: متعلقان بصفة محذوفة لساعة.

«يَتَعارَفُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة حالية.

«بَيْنَهُمْ»: ظرف مكان متعلق بيتعارفون.

«قَدْ»: حرف تحقيق .

«خَسِرَ الَّذِينَ»: ماض واسم الموصول فاعله والجملة مستأنفة.

«كَذَّبُوا»: ماض وفاعله والجملة صلة.

«بِلِقاءِ»: متعلقان بكذبوا.

«اللَّهِ»: لفظ الجلالة مضاف إليه.

«وَما»: الواو عاطفة وما نافية.

«كانُوا»: كان واسمها والجملة معطوفة.

«مُهْتَدِينَ» خبر كانوا.

يَحْشُرُهُمْ الحشر: الجمع من كل جانب إلى موقف واحد.

كَأَنْ أي كأنهم، فخففت.

لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، أو في القبور، لهول ما يرون.

يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ: يعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا، ثم ينقطع التعارف لشدة الأهوال.

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ: بالبعث.

وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: طريق الرشاد.

وقوله: قَدْ خَسِرَ … هو استئناف، فيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أخسرهم، وهي شهادة من الله تعالى على خسرانهم، أو حال من ضمير: يَتَعارَفُونَ، على إرادة القول، أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك.