﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾: هذه الأصنام الّتي كانوا يعبدونها لا تأمرهم بشيءٍ ولا تنهاهم عن شيءٍ، لذلك لا تصحّ عبادتها؛ لأنّ العبادة طاعةٌ، تتطلّب أمراً ونهياً، والمشركون كانوا هم مَن يقترحون الأوامر والنّواهي، وهو أمرٌ لا يليق؛ لأنّ المعبود هو الّذي عليه أن يحدّد أوجه الأوامر والنّواهي، ومن الحمق أن يعبد أحدٌ الأصنام؛ لأنّها لا تضرّ مَن خالفها ولا تنفع مَن عبدها.
﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾: عندما تجادلهم وتثبت لهم بأنّ تلك الأصنام لا تضرّ ولا تنفع، تجد من يكابر قائلاً: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فهم بهذا القول يعترفون أنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي ينفع ويضرّ، لكنّهم اتّخذوا شفعاء عنده عز وجل على مزاجهم وعن محبّتهم لهذه الأصنام، وهل هناك شفاعةٌ دون إذنٍ من المشفوع عنده؟ من أجل ذلك جاء الأمر من الحقّ سبحانه وتعالى لرسول الله ﷺ:
﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾: فمن أين جئتم بقضيّة شفاعة الأصنام لكم عند الله جل جلاله؟ إنّها قضيّةٌ لا وجود لها، وسبحانه لم يبلّغ أنّ هناك أصناماً تشفع، فقولكم هذا فيه كذبٌ متعمّدٌ وافتراءٌ على الله عز وجل، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾: كقوله عز وجل: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ]الحجرات[، وهو ردٌّ على من يريد تشريعاتٍ على هواه.
﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: تنزيهٌ له سبحانه وتعالى فهو الخالق لكلّ شيءٍ، ويعلم كلّ شيءٍ، وقضيّة شفاعة الأصنام إنّما هي قضيّةٌ مفتراةٌ لا وجود لها، وهي ليست من أمر الله سبحانه وتعالى ، والشّراكة هي طلب معونةٍ إمّا مِن المساوي وإمّا من الأعلى، والله سبحانه وتعالى لا يوجد له مساوٍ ولا أعلى جل جلاله، وهو منزَّهٌ عن أن يُشرَك به؛ لأنّ الشّريك إنّما يكون ليُساعد شريكه، والله جل جلاله لا يحتاج إلى أحدٍ في مُلكيّة وإدارة الكون.