الآية رقم (78) - وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ

هنا أيضاً في هذه الآية مبدأ (صيانة الاحتمال) وعدم التّعميم فيقول تبارك وتعالى: ﴿وَمِنْهُمْ، أي ليس كلّهم. والأمّيّ منسوب لأمّه، أي كما ولدته أمّه لم يأخذ من محيطه ومجتمعه أيّ علم.

والأمّيّة عند البشر العاديّين صفة نقص، أمّا الأمّيّة عند النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فهي قمّة الكمال.

والفرق بين أمّية البشر وأمّية النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كالفرق ما بين النّقص والكمال، والنّاقص هو الّذي لم يتعلّم، والتّامّ هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنّ الله تعالى هو الّذي علّمه، ولم يشأ الله سبحانه وتعالى لنبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعلّمه أحد من البشر؛ لأنّه سينزل عليه هذا القرآن الكريم الّذي سيتحدّى به البشر، ولذلك اختصّ الله عزَّوجل بعلم نبيّه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ]النّساء: من الآية 113[. فالله يعلّمه ليكون معلّماً لكلّ البشر ولكلّ المعلّمين. وعِلْمه صلَّى الله عليه وسلَّم ليس من بيئته ولا من محيطه، كي لا يُقال: إنّ بشراً علّمه القرآن: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ]الفرقان[، كما قالوا في بدء دعوته.

وهؤلاء هم الأمّيون من بني إسرائيل: ﴿لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّوالأمنية هي الشّيء الّذي يحبّ الإنسان أن يحدث لكنّه لا يملك تحقّقه، كما قال الشّاعر:

ألا ليت الشّباب يعود يوماً            فأخبره بما فعل المشـــيب

وعودة الشّباب مستحيلة لن تتحقّق فهي أمنية، ويمكن للأمنية أن تتحقّق وألّا تتحقّق.

ومن اليهود علماء وأحبار يعلمون ما ورد في التّوراة، ومنهم أمّيون لا يعلمون الكتاب إلّا بالأماني، يتمنّون أن يعلموا التّوراة لكنّهم لا يعلمونها، إنّما يسيرون على الظّنّ فقط، ويأخذون علوم دينهم من أحبارهم، ويتمنّون أن يعرفوا الكتاب، والأحبار هم الّذين كانوا يكتبون التّوراة. وهناك فريق من الأمّيّين يتمنّون معرفة الكتاب، وهم يظنّون أنّ النّبيّ محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم قد ورد ذكره في التّوراة، والظّنّ فيه نسبة راجحة قريبة من المؤكّد لكنّها لا تصل إلى درجة العلم.

وَمِنْهُمْ: الواو استئنافية، منهم متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

أُمِّيُّونَ: مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو.

لا يَعْلَمُونَ: لا نافية يعلمون، فعل مضارع وفاعل والجملة في محل رفع صفة.

الْكِتابَ: مفعول به.

إِلَّا: أداة استثناء.

أَمانِيَّ: مستثنى منصوب والجملة الاسمية ومنهم أميون استئنافية.

وَإِنْ: الواو عاطفة إن بمعنى ما نافية.

هُمْ: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

إِلَّا: أداة حصر.

يَظُنُّونَ: الجملة خبر هم والجملة الاسمية معطوفة.

أُمِّيُّونَ: عوام جهلة بكتابهم أَمانِيَّ أكاذيب تلقوها من رؤسائهم، فاعتمدوها، وهي لا تستند إلى دليل عقلي أو نقلي.

يَظُنُّونَ: أي ما هم في جحود نبوة النّبي وغيره مما يختلقونه إلا يظنون ظناً ولا علم لهم.