الآية رقم (101) - وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ

نتابع هذه الآيات العظيمة الّتي فضحت النّفاق، وقد سمّيت سورة التّوبة بالسّورة الفاضحة؛ لأنّها أخرجت خبايا نفوس المنافقين في المدينة المنوّرة، ولا شكّ أنّ خطر النّفاق أكبر وأعظم بالنّسبة للمجتمعات من أيّ خطرٍ آخر.

وقد فضحت سورة (التّوبة) اليهود الّذين تحالفوا مع مشركي العرب ومع المنافقين داخل المدينة المنوّرة. ولا بدّ من أن نذكر أنّه بعد أحداث أيلول وما تمّ في نيويورك بدأ الهجوم على الإسلام، ورُبِطَ الإرهاب بالإسلام، وذلك ما أرادته الصّهيّونيّة العالميّة حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، بعد هذه الأحداث كان هناك محاضرةٌ في جامعةٍ بواشنطن لأستاذٍ اسمه (بات) من ولاية (أركنسون) وهو متصهينٌ -ولو بحثنا عن كلّ ما يتعلّق بالعداء للأمّة العربيّة والإسلاميّة فسنجد وراءها أصابع اليهود المجرمين، فقد قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ ]المائدة: من الآية 82[- قام د. (بات) أمام الآلاف من الطّلّاب -وبينهم طلّابٌ مسلمون- وقال كلمتين فقط: نحن لن نستطيع أن نعيش أبداً مع أُناسٍ يقول كتابهم المقدّس -يقصد القرآن الكريم-:﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ ]البقرة: من الآية 191[، وجلس، وبدأ التّصفيق في الجامعة، لم يتحدّث إلّا بهاتين الكلمتين فقط، فقام طالبٌ مسلمٌ ليردّ عليه فقال: لقد قلت يا دكتور: بأنّ القرآن الكريم يقول: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾  فهل يمكن أن تعيرني المقصّ السّحريّ الّذي استخدمته في قصّ كلمات القرآن الكريم من سياقها؟! فإذا استعرت هذا المقص فإنّني أستطيع أن أجد لك أشدّ من هذه الكلمات في برنامج أو في منهاج الصّفّ الأوّل في الجامعة وفي أيّ مادّةٍ من المواد، لكن ليس هذا هو الجواب، فالجواب أحد احتمالين: إمّا أن تكون جاهلاً بأنّ تتمّة الآية القرآنيّة: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ ؛ أي أنّ القتال يكون لمن اعتدى وأخرج المسلمين من ديارهم، وإمّا أنّك تكذب، وأنا أعتقد أنّه لا يمكن أن أتحاور مع جاهلٍ أو مع كاذبٍ، فانقلب الحضور جميعاً بالتّصفيق لهذا الشّاب، وهذه هي الحقيقة، ما يحدث معنا هو إمّا أن يكون هناك جهلٌ في تفسير آيات القرآن الكريم، أو أن يكون هناك كذبٌ متعمّدٌ، فالتّفسير مهمٌّ جدّاً ويجب أن يكون مع سياق الآية القرآنيّة ومع العلم بأحكام التّفسير.

﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ﴾: ينبّه أنّكم في مجتمعٍ مُحاطٍ بالمنافقين، هناك إحاطةٌ كاملةٌ من قِبلهم، فحركة النّفاق كانت كبيرةً جدّاً.

﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾: مرد؛ أي تدرّب واحترف، وقيل: لجُّوا فيه، وأبَوْا غيرَه، فقد أصبح النّفاق حرفةً، وهذا ما نجده الآن في المجتمعات.

﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾؛ أي أصبح النّفاق لديهم ظاهرةً طبيعيّةً بوصفهم محترفي النّفاق.

﴿لَا تَعْلَمُهُمْ﴾: المنافق لا يعلمه رسول الله : ولا المؤمنون؛ لأنّه يُبدي غير ما يبطن.

﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾: الله سبحانه وتعالى  يعلمهم، وقد أخبر نبيّه : عنهم.

﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾: قال العلماء: مرّةً؛ لأنّ المنافق يُخالف طبيعته، فهو لا ينسجم مع ذاته، فيُبدي غير ما يؤمن به بداخله، فهو معذّبٌ دائماً، والثّانية: قالوا: بأنّ المنافق يُبتلى كما يُبتلى المؤمن، ولكنّ المؤمن عندما يُبتلى يُثاب، فالبلاء بالنّسبة إليه يرفعه درجةً كما قال ﷺ: «ما يُصيب المؤمن من شوكةٍ فما فوقها إلّا رفعه الله بها درجةً، أو حطّ عنه خطيئةً»([1])، أمّا المنافق فيُبتلى ولا يُثاب، وهناك قولٌ بأنّ المرّتين: مرّةً بالابتلاء في الدّنيا، ومرّةً بأنّ الله سبحانه وتعالى  فضحهم لنبيّه ﷺ، والمرّة الثّالثة هي العذاب العظيم.

([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرضٍ أو حزنٍ أو نحو ذلك حتّى الشّوكة يُشاكها، الحديث رقم (2572).

«وَمِمَّنْ»: الواو استئنافية، من: حرف جر ومن: اسم موصول والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف.

«حَوْلَكُمْ»: ظرف مكان متعلق بصلة الموصول المحذوفة والكاف مضاف إليه.

«مِنَ الْأَعْرابِ»: متعلقان بمحذوف حال.

«مُنافِقُونَ»: مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم.

«وَمِنْ أَهْلِ»: معطوف على وممّن ومتعلق بالخبر المحذوف.

«الْمَدِينَةِ»: مضاف إليه.

«مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ»: ماض وفاعله والجار والمجرور متعلقان بالفعل مردوا والجملة صفة المنافقون.

«لا»: نافية.

«تَعْلَمُهُمْ»: مضارع فاعله مستتر والهاء مفعول به والجملة مستأنفة.

«نَحْنُ»: مبتدأ والجملة مستأنفة.

«نَعْلَمُهُمْ»: مضارع فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة خبر.

«سَنُعَذِّبُهُمْ»: السين للاستقبال ومضارع فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة مستأنفة.

«مَرَّتَيْنِ»: نائب مفعول مطلق منصوب بالياء لأنه مثنى.

«ثُمَّ»: عاطفة.

«يُرَدُّونَ»: مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.

«إِلى عَذابٍ»: متعلقان بيردون.

«عَظِيمٍ»: صفة والجملة معطوفة.

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ: ممن حول بلدتكم المدينة يا أهل المدينة.

مُنافِقُونَ: هم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا نازلين حولها.

مَرَدُوا: مرنوا وحذقوا واستمروا.

لا تَعْلَمُهُمْ: لا تعرفهم بأعيانهم أيها النبي.

سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ: بالفضيحة والقتل في الدنيا، وعذاب القبر، أو بأخذ الزكاة وإنهاك الأبدان.

ثُمَّ يُرَدُّونَ: في الآخرة إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ هو النار.