الآية رقم (68) - وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ

﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾: الحقّ سبحانه وتعالى قد أعذر بأنّه أنذر، وأعذر؛ لأنّه قال لهم: لا تعبدوا الشّيطان، وبيَّن عداوته، وقال: اعبدوني واسلكوا صراطي المستقيم، فليس لهم عذرٌ حين كفروا بالله سبحانه وتعالى وأطاعوا الشّيطان وعبدوه، لكنّهم قد يعتذرون من ناحيةٍ أخرى فيقولون: يا ربّ، أنت أخذتنا، ولو عشْنا لاهتدينا وعُدْنا إلى الصّراط المستقيم، فيردّ الله جل جلاله عليهم: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: من الآية 37]؛ أي قد عمَّرناكم عمراً طويلاً يكفي للتّذكُّر والعودة فلم تعودوا، ثمّ إنّ التّعمير يُورِث الضّعف والوَهَن وعدم القدرة، فأنت أوّل الحياة عندك فتوّة وقوّة ونشاط بدنيّ وذهنيّ، لكن مع الكِبَر تضعف البنية، وتقِلُّ القوّة العضليّة والعقليّة، ويعود الإنسان إلى الضّعف الّذي بدأ به وهو طفلٌ صغيرٌ، وكما قال سبحانه وتعالى: ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [النّحل: من الآية 70]، فإذا كنتم لم تعودوا ولم ترعووا في فترة القوّة وسلامة العقل والتّفكير، أتعودون في فترة الهَرم والضّعف والنّسيان؟ لذلك يقول هنا الحقّ سبحانه وتعالى:

﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ﴾: نطيل عمره ونَمُدّ له فيه.

﴿نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾: الانتكاس: العودة إلى الوراء، والرّجوع إلى ما كنتَ عليه أوّلاً، فَطُول العمر يعود بالإنسان إلى مرحلة الطّفولة الأولى، فهو نكسة في حقّه حين يصير شيخاً هرماً لا يستطيع الحراك ولا الكلام، وتأخذ ذاكرتُه في الضّعف فينسى ويخرف، فهو كالطّفل تماماً يحتاج مَنْ يحمله ويُطعمه ويُزيل عنه الأذى.. إلخ، فهل في هذه الحال عودة؟ وهل ينفع معها تفكُّرٌ وتدبُّر؟

﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾: يعني أين عقولكم في هذه المسألة؟ والحقّ سبحانه وتعالى يسوقها بأسلوب الاستفهام، ولا يأتي بها على سبيل الإخبار ليجيبوا هم ويُقِرُّوا على أنفسهم بعدم التّعقُّل.

«وَمَنْ» الواو حرف استئناف ومن اسم شرط جازم مبتدأ

«نُعَمِّرْهُ» مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط ومفعول به والفاعل مستتر تقديره نحن

«نُنَكِّسْهُ» مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط ومفعوله والفاعل مستتر تقديره نحن وجملتا الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ

«فِي الْخَلْقِ» متعلقان بننكسه

«أَفَلا» الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء حرف استئناف ولا نافية

«يَعْقِلُونَ» مضارع مرفوع وفاعله والجملة استئنافية لا محل لها.

وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أي نرده إلى أرذل العمر