﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾: تبدأ هذه الآية بخبرٍ مؤكّدٍ بصيغة استفهامٍ، حتّى يأتي الإقرار من هؤلاء الّذين افتروا على الله جلّ جلاله كذباً، والإقرار سيّد الأدلّة، وهو اعترافٌ بهذا الظّلم الفظيع.
﴿أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾: العرض: هو إظهار الشّيء الخفيّ، وهكذا يظهر الخزي والخجل والمهانة على هؤلاء الّذين افتروا على الله سبحانه وتعالى.
﴿ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾: الأشهاد: جمعٌ مفرده: شاهد، مثل: صاحب مفرد أصحاب، أو يكون المفرد شهيدٌ، مثل شريف مفرد أشراف.
الأشهاد منهم الملائكة؛ لأنّ الحقّ سبحانه وتعالى يقول: ﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ﴾ {ق}، ويقول جلّ جلاله: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) ﴾ {الانفطار} أو شهود من الأنبياء الّذين بلّغوهم منهج الله تبارك وتعالى؛ لأنّ الحقّ سبحانه وتعالىي قول: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) ﴾ {النّساء}، وأيضاً الشّهيد على هؤلاء هو المؤمن من أمّة سيّدنا محمّد ﷺ مِصداقاً لقوله عزّ وجلّ: ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ {البقرة: من الآية 143}، فكلمة شهادة تعني تسجيل ما فعلوا، ويُسجّل عليهم بأنّهم بُلِّغوا بالمنهج فعاندوه وخرجوا عليه، فارتكبوا الجريمة الّتي تقتضي العقاب؛ لأنّ العقوبة لا تكون إلّا بجريمةٍ، ولا تجريم إلّا بنصٍّ، ولا نصّ إلّا بإعلامٍ، وما داموا قد كذَبوا على ربّهم جلّ جلاله، وارتكبوا قمّة الظّلم وهو الشّرك به والإلحاد وإنكار الرّسول والرّسالة فلا بدّ أن يطردهم من الرّحمة.