الآية رقم (93) - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾: لا يوجد أحدٌ أظلم ممّن افترى على الله سبحانه وتعالى كذباً، كيف يفتري الإنسان على الله عزَّ وجلّ الكذب؟ الجواب: يوجد طريقان، الطّريق الأوّل: هناك من ادّعى بأنّه نبيٌّ، وأنّه قد أوحي إليه فكذب على الله سبحانه وتعالى، والطّريق الثّاني: الإنسان الّذي يقول بالقرآن بالكذب.

﴿وَلَوْ تَرَى﴾: لو: شرطيّة، نجد هنا (لو) الشّرطيّة لا جواب لها، والجواب يُترَك للسّامع؛ لأنّ الجواب لا حصر له وقت غمرات الموت، وهي الشّدّة الّتي لا يستطيع الإنسان منها خلاصاً، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا إله إلّا الله، إنّ للموت سكرات»([1]).

﴿إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾: غمرات: سكرات وشدّة الموت.

﴿وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ﴾: باسطوا أيديهم، هذا التّمثيل لإخراج الرّوح، والله سبحانه وتعالى يبيّن أنّ الملائكة عندما يخرجون الرّوح يكونون باسطي الأيدي.

﴿أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ﴾: أي أخرجوا أنفسكم من العذاب إن كنتم تستطيعون إلى ذلك سبيلاً، وقال بعض المفسّرين: إنّه عندما تأتي ملائكة الموت إلى الظّالمين فإنّ الرّوح تتوزّع في كلّ أجزاء الجسد، وأثناء الخروج تحاول ألّا تخرج، فتكون أكثر شدّةً من خروج الرّوح بالنّسبة للإنسان المؤمن.

﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾: العذاب المهين الأليم.

﴿بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾: ومن هؤلاء النّاس من يدّعي بأنّه نزل عليه قرآنٌ، كمسيلمة الكذّاب وسجاح وطليحة و…، ومنهم من يحرّم الحلال ويحلّل الحرام ويبتدع من عنده ما يريد، ويفسّر القرآن الكريم كما يحلو له، كما فعل الإرهابيّون والمتطرّفون والقتلة والمجرمون عندما أخذوا وبتروا آيات القرآن الكريم، وقالوا ما لا يعلمون، ونسبوا الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.

والله سبحانه وتعالى أمر أوامر ونهى عن نواهي، وحدّ حدوداً في كتابه الكريم، وكلّف النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالتّشريع فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: من الآية 7]، فكلّ الأوامر وكلّ ما يتعلّق بالعقيدة والشّريعة والأخلاق الّتي وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى، والقصص القرآنيّ هي مُلزمةٌ للإنسان المسلم، ولا يمكن أن يأخذ ما يحلو له ويترك ما لا يحلو له، فيجزّئ الأمر.

﴿وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾: أي يقولون: لا أريد الدّين، ولا الإسلام، ويتأبّى على كلّ الأوامر الإلهيّة، فهؤلاء يجزون عذاب الهون.


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب المغازي، باب مرض النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ووفاته، الحديث رقم (4184).

وَمَنْ: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ

أَظْلَمُ: خبره والجملة استئنافية لا محل لها

مِمَّنِ: اسم موصول في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان باسم التفضيل أظلم

افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً: فعل ماض تعلق به الجار والمجرور

و كذبا: مفعوله والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. والجملة صلة الموصول لا محل لها.

أَوْ قالَ: الجملة معطوفة

أُوحِيَ إِلَيَّ: فعل ماض مبني للمجهول والجار والمجرور نائب فاعل والجملة مقول القول

وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة، وقد تعلق به الجار والمجرور وشيء نائب فاعله، والجملة في محل نصب حال.

وَمَنْ قالَ: عطف على ممن أي وممن قال

سَأُنْزِلُ مِثْلَ: فعل مضارع ومفعوله والسين للاستقبال والجملة مقول القول

ما: اسم موصول في محل جر بالإضافة

أَنْزَلَ اللَّهُ: فعل ماض ولفظ الجلالة فاعل والجملة صلة الموصول لا محل لها والعائد محذوف تقديره أنزله الله.

وَلَوْ تَرى: الواو استئنافية، لو حرف شرط غير جازم

إِذِ: ظرف لما مضى من الزمن متعلق بالفعل ترى

الظَّالِمُونَ: مبتدأ مرفوع بالواو

فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ: متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ وخبر لو محذوف التقدير: ولو تراهم إذ الظالمون في غمرات الموت لرأيت أمرا فظيعا

وَالْمَلائِكَةُ: مبتدأ مرفوع والواو حالية

باسِطُوا: خبر مرفوع بالواو

أَيْدِيهِمْ: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء للثقل، والجملة في محل نصب حال.

أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ: فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة مقول لقول محذوف أي يقولون لهم

الْيَوْمَ: ظرف زمان متعلق بالفعل تجزون بعده، أو بالفعل أخرجوا قبله

تُجْزَوْنَ عَذابَ: فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعله وعذاب مفعوله والجملة في محل جر بالإضافة

الْهُونِ: مضاف إليه

بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ: ما مصدرية وهي مؤولة مع الفعل الناقص بعدها بمصدر في محل جر بالباء أي تجزون عذاب الهون بسبب قولكم «عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ»

غَيْرَ: مفعول به.

وَكُنْتُمْ: فعل ماض ناقص والتاء اسمها والجملة معطوفة على ما قبلها

عَنْ آياتِهِ: متعلقان بالفعل تستكبرون

وجملة (تَسْتَكْبِرُونَ): في محل نصب خبر الفعل الناقص ومثلها جملة (تَقُولُونَ) .

وَمَنْ أَظْلَمُ: لا أحد أظلم

افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً: اختلق الكذب وحكى عنه ما لم يقله، بادعاء النبوة مثلا ولم ينبأ، أو اتخاذ الأنداد والشركاء.

وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ: وهم المستهزئون قالوا: لو نشاء لقلنا مثل هذا

وَلَوْ تَرى: يا محمد

فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ: سكرات الموت، جمع غمرة وهي الشدة.

وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ: إليهم بالضرب والتعذيب، يقولون لهم تعنيفًا: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ إلينا لنقبضها الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ المراد به هنا: يوم القيامة الذي يبعث فيه الناس للحساب والجزاء.

وأصل اليوم: الزمن المحدود المعروف (24 ساعة)

عَذابَ الْهُونِ: الهوان وهو الذل، ومنه قوله تعالى: (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) [النحل 16/ 59] والهون بالفتح: اللين والرفق، ومنه قوله تعالى: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان 25/ 63] .

تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ: بادعاء النبوة والإيحاء كذباً

تَسْتَكْبِرُونَ: تتكبرون عن الإيمان بها. وجواب وَلَوْ تَرى: لرأيت أمرًا فظيعًا.