الآية رقم (19) - وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا

المتأمّل في أسلوب القرآن الكريم يجده عادةً يُعطيِ الصّورة ومقابلها؛ لأنّ الشّيء يزداد وضوحاً بمقابله، والضِّدّ يظهر حُسْنَه الضّدُّ، ونرى هذه المقابلات في مواضع كثيرة من كتاب الله سبحانه وتعالى كما في: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار]، وهنا يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ في مقابل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾[الإسراء: من الآية 18].

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾: أي: أراد ثوابها وعمل لها.

﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾: لأنّ الإيمان شَرْطٌ في قبول العمل، وكُلُّ سعيٍ للإنسان في حركة الحياة لا بُدَّ فيه من الإيمان ومراعاة أوامر الله سبحانه وتعالى لكي يُقبَل العمل، ويأخذ صاحبه الأجر يوم القيامة، فالعامل يأخذ أجره ممَّنْ عمل له، فغير المؤمنين الّذين خدموا البشريّة باختراعاتهم واكتشافاتهم، حينما قدّموا هذه الإنجازات لم يكُنْ في بالهم أبداً العمل لله سبحانه وتعالى، بل للبشريّة وتقدُّمها؛ لذلك أخذوا حقّهم من البشريّة تكريماً وشهرة، فأقاموا لهم الحفلات، وكان لهم الجوائز، وألّفوا فيهم الكتب.. إلخ، فانتهت المسألة: عملوا وأخذوا الأجر ممّن عملوا له، أمّا الّذي يعمل والله عز وجل في باله يأخذ خير الدّنيا والنّتيجة في الآخرة.

﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾: وهذا جزاء أهل الآخرة الّذين يعملون لها، ومعلومٌ أنّ الشّكر يكون لله سبحانه وتعالى استدراراً لمزيد نِعَمه، كما قال عز وجل: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾[إبراهيم: من الآية 7]، فالله سبحانه وتعالى يشكر عبده على طاعته بعطائه.