(كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ): هنا المثل مثل علميّ دقيق لا يمكن أن يكون إلّا من ربّ البشر، المثل معناه أنّ الّذي ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله ويتعامل مع القويّ ولا يتعامل مع الضّعيف، يتعامل مع الخالق ولا يتعامل مع المخلوق، فإنّه هنا عندما ينفق ماله في هذا السّبيل كمثل جنّة. والجنّة هي البستان، بربوة أي مكان مرتفع، (أَصَابَهَا وَابِلٌ) أي مطر شديد، (فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ) لماذا آتت أكلها ضعفين؟ لأنّه طالما هي بربوة فالماء يأتي أوّلاً إلى الأوراق، والأوراق تمتصّ الماء فلا تتعفّن الجذور، إذا كانت الأرض ملساء إذا كانت الأرض بربوة فإذاً يوجد تخزين للماء، هذه عمليّة زراعيّة.
(فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ): أي إن لم يكن مطراً شديداً فرذاذ المطر الخفيف. فهذا الّذي ينفق ويُكثر عندما ينفق يضاعف لنفسه ويحمي أسرته ويحمي مستقبل أولاده من خلال الإنفاق؛ لذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما تلف مال في بحر ولا برّ إلّا بمنع الزكاة، فحرّزوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصّدقه، وادفعوا عنكم طوارق البلاء بالدّعاء، فإنّ الدّعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل، ما نزل يكشفه، وما لم ينزل يحبسه»([2])، كيف تحصّن مالك بالزّكاة؟ لأنّك تتعامل مع الله وهو وعدك أن يُضاعف مال الصّدقة سبع مئة ضعف، فإذاً أنت حصّنت المال، فإذا نقص ليرة أعادها الله عليك سبع مئة ضعف، ومداواة المريض تكون من خلال الصّدقة، فالإنسان الّذي ينفق يأتيه رزق، وهناك نوعان من الرّزق: رزق الإيجاب ورزق السّلب، رزق الإيجاب يكون عندما يأتيك مال، أمّا رزق السّلب فهو أنّ الله سبحانه وتعالى يدفع عنك البلاء، فمثلاً رجلٌ يؤلمه رأسه، يأخذ حبّة مسكِّن فيسكن الألم، ورجلٌ آخر آلمه رأسه فعمل تصويراً طبقيّاً محوريّاً ورنيناً مغناطيسيّاً… إلخ هنا دفع الله سبحانه وتعالى عنك وسدّ عليك المصارف، هذا الرّزق اسمه رزق السّلب، وهذا أمر لا ينتبه له الإنسان، فأنت إذا دفعت صدقة للفقير فإنّك تدفع عنك مصارف البلاء.
(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ): بصير بكلّ شيء.