الآية رقم (8) - وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

هذه هي جريمتهم في نظر أهل الباطل والكفر، فما كرهوا منهم وما أنكروا عليهم إلّا إيمانهم بالله سبحانه وتعالى، وكان الجزاء على هذه الجريمة قذفهم في هذه الحفرة الّتي أوقدوا فيها ناراً ذات وقودٍ، والحقّ سبحانه وتعالى  يصوّر لنا هذا الموقف بأسلوبٍ بلاغيٍّ رائعٍ ومشهورٍ عند العرب، يسمّونه تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ، فكلمة: ﴿نَقَمُوا﴾ تعني أنكروا وكرهوا، والكراهية لا تكون إلّا لصفةٍ مذمومةٍ، لكن يُفاجئك السّياق القرآنيّ بصفةٍ محمودةٍ: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، كما تقول مثلاً: لا عيب في فلانٍ إلّا أنّه كريمٌ، فأنت تؤكّد على كرمه بهذا الأسلوب، وكما نقول: لم يجدوا في الورد عيباً فقالوا: يا أحمر الخدّين، وهل حمرة الخدّين عيبٌ؟! من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [التّوبة: من الآية 74]، فأهل الكفر والباطل وأصحاب الأخدود كرهوا أمراً ليس من الطّبيعة ولا من الفطرة أن يُكرَه، وهذا يدلّ على فساد عقليّتهم؛ لأنّهم عدّوا قمّة الخير ممّا يُكره، وكأنّ القرآن الكريم يُشير إلى أنّ هؤلاء الكافرين لو ذكروا صفات المؤمنين الّذين أحرقوهم، واستعرضوا سلوكيّاتهم وأخلاقيّاتهم لما وجدوا فيها شيئاً يُنكَر عليهم، فلماذا ألقوهم في النّار؟ إنّه الطّغيان الّذي يحافظ على البطش والجبروت، فيرى العبوديّة لله سبحانه وتعالى مذمومةً.

وَما: الواو حرف استئناف

ما: نافية

نَقَمُوا: ماض وفاعله

مِنْهُمْ: متعلقان بالفعل والجملة مستأنفة لا محل لها

إِلَّا: حرف استثناء

أَنْ يُؤْمِنُوا: مضارع منصوب بأن والواو فاعله والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب مفعول به

بِاللَّهِ: متعلقان بالفعل

الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ: بدلان من لفظ الجلالة.

وَما نَقَمُوا: أنكروا وعابوا