الآية رقم (19) - وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾: وقد جاءت آيةٌ في سورة (البقرة) مشابهةٌ لهذه الآية، وإن اختلف الأسلوب، وهي قوله سبحانه وتعالى:

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ]البقرة[، الّذين يقرؤون القرآن الكريم بسطحيّةٍ وعدم تعمّقٍ قد لا يلتفتون إلى الآيات الّتي تتشابه بالمعنى العامّ، هذه الآيات توازن بين المعاني فلا تضارب بينها على الإطلاق، والاختلاف الّذي حدث بين النّاس جاء في آية البقرة في المؤخّرة، بينما الاختلاف في هذه الآية جاء في المقدّمة، وهذا دليلٌ على أنّ النّاس كانوا أمّةً واحدةً على الإيمان، فآدم عليه السلام كان على الإيمان، وليس هناك أناسٌ أولى من أناسٍ عند الخالق سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى  عندما أنزل آدم عليه السلام إلى الأرض أنزل معه المنهاج (افعل) و(لا تفعل)، وأنزل معه الهداية، وبعد مرور مرحلةٍ من الزّمن اختلفوا على هذه الهداية، فلا بدّ أن ينزل إليهم رسولٌ يذكّرهم.

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾: أمر الله سبحانه وتعالى  وقضاؤه سبق بأن هؤلاء النّاس الّذين اختلفوا وجحدوا لو شاء الله سبحانه وتعالى لأهلكهم، ولكنّ مشيئته جل جلاله بأن يبعث الرّسل والرّسالات لتذكّر النّاس بعهد الفطرة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ ]الأعراف[، فكلّ إنسانٍ يولد على الفطرة، وهذه الفطرة أوّلاً هي الإيمان الّذي سبق، ثانياً إنّ آدم عليه السلام أوّل إنسانٍ نزل إلى الأرض، كان مؤمناً ولديه المنهج، فكان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا، وقد شاء الله سبحانه وتعالى  أن تكون للإنسان مشيئةٌ يختار بها بين الخير والشّرّ.

«وَما»: الواو استئنافية وما نافية.

«كانَ النَّاسُ»: كان واسمها والجملة استئنافية.

«إِلَّا»: أداة حصر.

«أُمَّةً»: خبر.

«واحِدَةً»: صفة.

«فَاخْتَلَفُوا»: الفاء عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة.

«وَلَوْلا»: الواو عاطفة ولولا حرف شرط غير جازم.

«كَلِمَةٌ»: مبتدأ خبره محذوف والجملة ابتدائية.

«سَبَقَتْ»: ماض والتاء للتأنيث والفاعل مستتر والجملة صفة.

«مِنْ رَبِّكَ»: متعلقان بسبقت والكاف مضاف إليه.

«لَقُضِيَ»: اللام واقعة في جواب لولا وماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر.

«بَيْنَهُمْ»: ظرف مكان متعلق بقضي والهاء مضاف إليه والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم.

«فِيما»: ما موصولية مجرورة بفي المدغمة بها ومتعلقان بقضي «فِيهِ» متعلقان بيختلفون.

«يَخْتَلِفُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر كانوا.

أُمَّةً واحِدَةً: أي على دين واحد وهو دين الإسلام من لدن آدم إلى نوح، أو من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحيّ الذي سنّ للعرب عبادة الأصنام.

فَاخْتَلَفُوا: بأن ثبت بعض وكفر بعض.

وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ: بتأخير الحكم بينهم أو تأخير الجزاء والعذاب الفاصل إلى يوم القيامة.

لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: أي بين الناس عاجلا في الدنيا.

فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: من الدين بإهلاك المبطلين وهم الكافرون، وإبقاء المحقين وهم المؤمنون.