وهنا مناط الإيمان عندما تختار بين البدائل، كيف تختار بين الإيمان بالله سبحانه وتعالى وعدم الإيمان به سبحانه وتعالى ؟ كيف تختار الاستقامة أو الاعوجاج؟ هذه أمانة الاختيار، الدّين أمانةٌ وهو أهمّ الأمانات قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾ [الأحزاب]، فهذه الأمانة هي أمانة التّكليف، أمانة الاختيار، والعقل هو الّذي يختار، فلا يقولنّ قائلٌ: إنّ الإسلام انتشر بالقوّة، فكيف ينتشر بالقوّة؟ لا يمكن ذلك؛ لأنّ مناط التّكليف هو العقل، لذلك فقد انتشر الإسلام بالقدوة وليس بالقوّة، والقدوة هي المثال الّذي يقبله العقل والمنطق والفكر والعلم، وفي بداية الحضارة العربيّة والإسلاميّة كانت القوّة إلى جانب المسلمين، فلو قال قائلٌ: بأنّهم نشروا الإسلام بالقوّة، نقول له: لقد ذهبت القوّة وبقي الإسلام، فلو كان ما تقوله صحيحاً لاندثر الإسلام مع القوّة الّتي أتت به، لكنّ الإسلام لم يدخل إلى القلوب والعقول إلّا بمشيئة النّاس.