الآية رقم (29) - وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

الإنسان ليست له مشيئةٌ مستقلّةٌ، إنّما مشيئته خاضعةٌ لمشيئة الله سبحانه وتعالى، فلا يشاء العبد إلّا إذا شاء الله عزَّ وجل أن يجعل له مشيئةً؛ لذلك جاء بعد ذلك بوصف ربّ العالمين، ولو تأمّل الإنسان حياته لوجد نفسَه مختاراً في بعض الأمور ومجبراً في أمورٍ أخرى لا يستطيع الخروج عنها، كالتّنفّس وحركة الشّمس والقمر.. هذه أمورٌ ليس له فيها مشيئةٌ، أمّا المشيئة فتكون في الخيارات من البدائل الّتي يراها العقل، فالإنسان ليس مُطلق المشيئة ولا مقيّد المشيئة، هذا يعني أنّ القوّة المطلقة لله سبحانه وتعالى وليست للإنسان، وهو سبحانه وتعالى  الّذي يقيّد مشيئة الإنسان في الأشياء الّتي لا مشيئة له فيها، مثل التّنفّس، وهي ليست داخلة في نطاق التّكليف، فالتّكليف كلّه اختيار الأشياء الّتي تدخل في نطاق: افعل ولا تفعل، كالصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم.. لا تقع في حيّز التّقييد لي فيها مشيئةٌ، إن شئتُ أفعل وإن شئتُ لا أفعل، بعد ذلك يبيّن الله سبحانه وتعالى  بأنّ المشيئة مشيئتان، فلو شاء الله سبحانه وتعالى  لجعلك غير صالحٍ لشيءٍ من الاختيار، أو جعلك كالملائكة لا يعصون الله سبحانه وتعالى  ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لكنّ الله تعالى جعلك صالحاً للفعل ولعدم الفعل، فإذاً هذه من باطن مشيئة الله جلّ وعلا، فأنت لم تخرج عن مشيئته، فلا يقولنّ قائلٌ: أختار رغماً عن الله جلَّ جلاله ؛ لأنّك لا تستطيع فعل شيءٍ رغماً عن مشيئة الله عزَّ وجل، ولا يقولنّ قائلٌ: بأنّ الله جلَّ جلاله شاء بألّا أكون مؤمناً، فهذا كلامٌ غير مقبولٍ، فالله سبحانه وتعالى  شاء أن يجعل لك مشيئةً، فأنت تشاء أو لا تشاء فيما هو مناط التّكليف، أي افعل ولا تفعل، هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، هذا يجوز وهذا لا يجوز، هذه استقامةٌ وهذا اعوجاجٌ؛ لذلك فإنّ الدّين هو أخلاقٌ وقيمٌ واستقامةٌ، كما بيّن النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما سُئِلَ عن البرِّ والإثم؟ فقال: «البِرُّ حُسْنُ الخُلُق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس»([1])، فالأخلاق هي الّتي تُعبّر عن اختيار الإنسان لأوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها.

وَما: الواو حالية

ما: نافية

تَشاؤُنَ: مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة حال

إِلَّا: حرف استثناء

أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: مضارع منصوب بأن ولفظ الجلالة فاعله

رَبُّ الْعالَمِينَ: بدل مضاف إلى العالمين والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر بالإضافة لظرف زمان. التقدير وقت أن يشاء الله.

وَما تَشَاؤُونَ: الاستقامة على الحق.

إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: إلا وقت أن يشاء الله استقامتكم.

رَبُّ الْعالَمِينَ: مالك الخلق كلهم.