الآية رقم (28) - وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ

فهؤلاء القوم المكذِّبون قتلوا هذا الرّجل، وهذه القصّة الّتي أراد الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بها المثل لأهل مكّة، فماذا نستفيد منها؟ نستفيد منها لأمر مهمٍّ؛ لأنّ الّذي دافع ونافح وقُتِل واستُشهد ودعا إلى الله سبحانه وتعالى كما روى القرآن الكريم هو رجلٌ وليس نبيّاً، وكأنّه يقول للنّاس كلّهم: وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى، فالّذي قال وفعل رجلٌ مع أنّه كان هناك ثلاثة مرسلين إلى جانبه، وكلّ ما قصّه الله سبحانه وتعالى قصّه عن هذا الرّجل، كي يقول: إنّ من يتّبع الأنبياء عليهم السلام فعليه أن يسير على نهجهم، فإيّاك أن تعتقد أنّ الإنسان ملَكٌ، وأنّ الملك والنّبيّ فقط هو الّذي يدافع عن الحقّ، وإنّما الّذي يدافع عن الحقّ أيضاً هم من يتّبعون الرّسل، فهذا الرّجل جاء اختياراً، بينما الرّسل مرسلين من قِبَل الله سبحانه وتعالى، وهذه نقاطٌ مهمّةٌ، فليس مطلوب منّا فقط قراءة القرآن الكريم، بل لنتدبّر ولنعلم أنّ واجب كلّ منّا أن يسير باستقامة كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، فعندما نطالب النّاس بقراءة القرآن الكريم فلا بدّ من الوعي لما جاء في كتاب الله عز وجل، وفهم ما أراده الله سبحانه وتعالى، وأنّه وضع في القرآن الكريم علاجاً لأيّ مرض.

والله سبحانه وتعالى يوضّح لنا في هذه الآيات بشكلٍ قاطعٍ كيف أنّ الحقّ أمامه من يقف بالمرصاد.

نفهم من سياق الآيات أنّ القوم المكذّبين قتلوا هذا الرّجل المتطوّع، أو أنّه مات بطبيعة الحال فوراً، ومَن ينظر في هذه الآيات يجد بأنّ الله سبحانه وتعالى جازاهم على تكذيبهم، ويقول سبحانه وتعالى: إنّ أمر هؤلاء المكذِّبين أهون من أنْ نُنزل عليهم جُنداً من السّماء تهلكهم، ومجرّد صيحة واحدة كافية لهلاكهم، فالمعنى:

﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾: أي من بعد النّصيحة والعِظَات والبراهين الّتي تطوَّع بها هذا الرّجل.

﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾: لم نُنزل، وما كان ينبغي لنا أنْ نُنزل عليهم جنداً من السّماء؛ لأنّ الأمر أهون من ذلك.

«وَما» الواو عاطفة وما نافية

«أَنْزَلْنا» ماض وفاعله والجملة معطوفة

«عَلى قَوْمِهِ» متعلقان بالفعل قبلهما

«مِنْ بَعْدِهِ» متعلقان بمحذوف حال

«مِنْ» حرف جر زائد

«جُنْدٍ» اسم مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به والجملة معطوفة

«مِنَ السَّماءِ» متعلقان بمحذوف صفة لجند

«وَما» الواو عاطفة وما نافية أو زائدة

«كُنَّا مُنْزِلِينَ» كان واسمها وخبرها والجملة معطوفة