ألا يعلم الله سبحانه وتعالى؟ طبعاً هو يعلم، انظروا قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ثمّ: ﴿وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ﴾، إذاً في غزوة أُحُد بعد أن حدث هذا الانكسار وانخذل قسم مع المنافقين، وقسم لم يستجب والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوهم في أخراهم، إذاً هذا علم حجّة عليكم، الله سبحانه وتعالى يعلم سابقاً هذا الأمر لكنّه ربط السّبب بالمسبّبات، وأعطى الأوامر وترك الخيار للإنسان، والله سبحانه وتعالى يعلم سابقاً ماذا ستختار، فهو يحاسبك على اختيارك لا يحاسبك على علمه؛ لأنّ علمه من قيوميّته ومن صفاته الّتي لا يحيط بها العقل البشريّ، فلا يستطيع عقل مخلوق أن يُحيط بمن خلقه وبصفات مَن خلقه، ومهما توصّل العقل إلى علوم فلن يستطيع أن يعرف كيفيّة علم الله سبحانه وتعالى، وماهية حكمته، ومدى قدرته إلّا ما أخبر الله عنه، مستحضراً دوماً قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشّورى: من الآية 11].
﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ﴾: في البدء عندما انخذل عبد الله بن أبيّ بن سلول بثلث الجيش عندما قيل لهم: تعالَوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا الهجوم عن بيوتكم في المدينة المنوّرة، قالوا: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ﴾ لكنّ الله تعالى يعلم السّرّ وأخفى، فأخرج ما في أنفسهم وأظهره لنا كأنّهم قالوه، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾، فهم يعلمون تماماً أنّ القتال حاصلٌ.