الآية رقم (15) - وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: قال النّبيّ ,: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد»([1])، والسّجود هو حركةٌ من حركات الصّلاة، والصّلاة هي وقفة العبد بين يدي ربّه بعد النّداء، وهي أقوالٌ وأفعالٌ تُبتدأ بالتّكبير وتُختتم بالسّلام، بفرائض وسنن ومستحبّات مخصوصة، كما أنّ هناك سجود الشّكر وسجود التّلاوة وسجود الإنسان عندما يريد أن يتقرّب من الله سبحانه وتعالى، لكنّ الله سبحانه وتعالى عندما يقول: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ علينا أن نفهم أنّ هذا ما يحدث فعلاً، قد تقول: كيف يسجد مَن في السّموات والأرض؟ هنا يجب أن ننتبه إلى أنّ السّجود هو منتهى الخضوع لله عز وجل، فالكون كلّه مسخّرٌ بأمر الله سبحانه وتعالى ولأمر الله، والكون خاضعٌ له جل جلاله، فإن استجاب الإنسان لأمر الله عز وجل بالإيمان به فهذا خيرٌ، وإن لم يستجب مثلما يفعل الكافر فيعود عليه سوء عمله، ولو استقصينا المسألة لوجدنا أنّ الّذي لا يؤمن بالله عز وجل يتمرّد بإرادته المسيطرة على جوارحه، لكنّ بقيّة أبعاضه مسخّرة، وكلّها تؤدّي عملها بتسخير الله جل جلاله لها، وتنفّذ الأوامر الصّادرة من الله عز وجل لها، فالّذي لا يؤمن بالله عز وجل يكون متمرّداً ببعضه ولكن مُسخّراً ببعضه الآخر، مثلاً: القلب، الأعضاء، المعدة.. حين يُمرِضُ اللهُ جل جلاله الإنسانَ هل يستطيع أن يقولَ: أريد أو لا أريد؟ الجواب: بالتّأكيد لا، فحين يشاء الله عز وجل أن يوقف قلبه فهو لا يقدر أن يجعل قلبه يُخالف مشيئة الله عز وجل، فخضوع غير المؤمن في أغلب الأحيان وتمرّده في بعضها الآخر هو منتهى العظمة لله جل جلاله، والله سبحانه وتعالى أراد أموراً مسخّرة منك وأموراً أخرى تركها لك.

وهنا لماذا يقول الله جل جلاله: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، ولم يقل: (ولله يسجد ما في السّموات وما في الأرض)، تُستَخدم (مَن) للعاقل، وما دام في الأمر سجودٌ فهو دليلٌ على قمّة العقل، وسبحانه قد جعل السّجود هنا دليلاً على أنّ الكائنات كافّة تعقِل، الجبل والبحر والسّماء والأرض كلّها تعقِل حقيقة الألوهيّة، وتعبد الله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل يعلّمنا أنّ الكائنات كلّها ترضخ لله جلّ وعلا سجوداً، فالجبال والأرض والسّماء والماء كلّها خاضعة لله سبحانه وتعالى؛ أي تسجد لله عز وجل، كما قال جل جلاله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾]فصِّلت[.

﴿وَظِلَالُهُمْ ﴾: الظّلال أيضاً خاضعةٌ لله جل جلاله؛ لأنّ صاحب هذا الظّلّ خاضعٌ لله سبحانه وتعالى، الظّلّ يتحرّك ويتبع الحركة، وإيّاك أن تظنّ أنّه خاضعٌ لك، بل هو خاضعٌ لمشيئة الله عز وجل.

﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾: الغدوّ: جمع غداة، وهو أوّل النّهار.

والآصال: المسافة الزّمنيّة بين العصر والمغرب.

([1]) صحيح مسلم: كتاب الصّلاة، باب ما يُقال في الرّكوع والسّجود، الحديث رقم (482).

«وَلِلَّهِ» الواو استئنافية ولفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان بيسجد

«يَسْجُدُ» مضارع والجملة مستأنفة

«مَنْ» موصول فاعل

«فِي السَّماواتِ» متعلقان بمحذوف صلة

«وَالْأَرْضِ» معطوف

«طَوْعاً وَكَرْهاً»  الأول حال والثاني معطوف عليه

«وَظِلالُهُمْ» معطوف على من والهاء مضاف إليه

«بِالْغُدُوِّ» متعلقان بيسجد

«وَالْآصالِ» معطوف على بالغدو

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً أي يستسلم وينقاد ويخضع. وقد بينت هذا في تأويل «المشكل»