﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾: ماذا قال لهم؟ لم يقل: إنّ الله سبحانه وتعالى بلّغني لأبلّغكم أنّ عليكم الطّاعة وعدم المعصية وأنّه لا إله إلّا الله، وإنّما مباشرةً جاء إلى أصعب وأقذر قضيّةٍ، الّتي تشمئزّ منها الفطرة والنّفوس السّليمة، وهنا خاطبهم باستفهامٍ استنكاريٍّ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾، فهي عمليّةٌ مستقذرةٌ مضادّةٌ للفطرة، والفاحشة هنا هي العمليّة الجنسيّة الشّاذّة.
﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾: بعضهم يقول: إنّ مِنْ حرفٌ زائدٌ، ولكن لا يوجد في كلام الله سبحانه وتعالى كلمةٌ زائدةٌ، فكلّ حرفٍ له معنى وله دلالةٌ ووظيفةٌ، هنا يبيّن سبحانه وتعالى على لسان لوطٍ لهؤلاء القوم أنّهم أوّل قومٍ على وجه الأرض ارتكبوا هذا الفعل الفاحش القبيح المنكر المخالف للطّبيعة والفطرة البشريّة، ونضرب مثالاً للتّوضيح: إذا جاءك إنسانٌ وقال: ما عندي مالٌ، فقد يملك بعضاً منه، أمّا إن قال لك: ما عندي من مالٍ، أي لا يوجد معه مالٌ على الإطلاق، ولا حتّى القليل منه، وهنا قوله: ﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ أي لا يوجد أحدٌ في العالم كلّه جاء بهذا الفاحشة القذرة قبلكم.