الآية رقم (80) - وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ

﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾: ماذا قال لهم؟ لم يقل: إنّ الله سبحانه وتعالى بلّغني لأبلّغكم أنّ عليكم الطّاعة وعدم المعصية وأنّه لا إله إلّا الله، وإنّما مباشرةً جاء إلى أصعب وأقذر قضيّةٍ، الّتي تشمئزّ منها الفطرة والنّفوس السّليمة، وهنا خاطبهم باستفهامٍ استنكاريٍّ: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾، فهي عمليّةٌ مستقذرةٌ مضادّةٌ للفطرة، والفاحشة هنا هي العمليّة الجنسيّة الشّاذّة.

﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾: بعضهم يقول: إنّ مِنْ حرفٌ زائدٌ، ولكن لا يوجد في كلام الله سبحانه وتعالى كلمةٌ زائدةٌ، فكلّ حرفٍ له معنى وله دلالةٌ ووظيفةٌ، هنا يبيّن سبحانه وتعالى على لسان لوطٍ لهؤلاء القوم أنّهم أوّل قومٍ على وجه الأرض ارتكبوا هذا الفعل الفاحش القبيح المنكر المخالف للطّبيعة والفطرة البشريّة، ونضرب مثالاً للتّوضيح: إذا جاءك إنسانٌ وقال: ما عندي مالٌ، فقد يملك بعضاً منه، أمّا إن قال لك: ما عندي من مالٍ، أي لا يوجد معه مالٌ على الإطلاق، ولا حتّى القليل منه، وهنا قوله: ﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ أي لا يوجد أحدٌ في العالم كلّه جاء بهذا الفاحشة القذرة قبلكم.

وَلُوطاً: مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر.

إِذ: ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب.

قالَ: فعل ماض تعلق به الجار والمجرور بعده «لِقَوْمِهِ» والجملة في محل جر بالإضافة

(اذكر لوطًا): معطوفة.

أَتَأْتُونَ: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل والهمزة للاستفهام.

الْفاحِشَةَ: مفعول به والجملة مقول القول.

ما سَبَقَكُمْ: فعل ماض والكاف مفعوله والميم علامة جمع الذكور، ما نافية لا عمل لها.

بِها: متعلقان بالفعل قبلهما. «مِنْ أَحَدٍ» من حرف جر زائد، أحد اسم مجرور لفظا مرفوع محلًا فاعل.

مِنَ الْعالَمِينَ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة أحد. والجملة الفعلية في محل نصب حال من الفاحشة.

وَلُوطاً: لوط: هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، ولد في «أور الكلدانيين» في الطرف الشرقي من جنوب العراق، وكانت تسمى أرض بابل. هاجر بعد موت والده مع عمه إبراهيم إلى ما بين النهرين إلى جزيرة قورا، حيث توجد مملكة آشور، ثم ذهب معه إلى الأرض الشام، حيث أسكنه إبراهيم شرقي الأردن، وعاش في المكان المسمى بعمق السديم قرب البحر الميت (أو بحر لوط) وهي قرى خمس، سكن لوط في إحداها المسماة بسدوم، ثم بعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر وما يرتكبونه من الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، حتى صنع ذلك أهل سدوم.