الآية رقم (155) - وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ

الحديث عن قمّة الابتلاء وهو الاستشهاد في سبيل الله والله قدّم بموضوع الصّبر، أنا لا أقول: استعن بالله واجلس فقط، بل الطّريق إليها بالصّبر والذّكر والصّلاة.

الابتلاء هو الامتحان، الحياة امتحان، قال سبحانه وتعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك]، ليست المشكلة بالامتحان، والابتلاء ليس شرّاً بل نتيجة الامتحان هي الشرّ إذا رسبت بالامتحان، أمّا إذا نجحت فهو خير، ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: من الآية 35].

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوفِ﴾: لنختبرنّكم ولنمتحننّكم، عندما نقرأ القرآن الكريم يجب أن ننظر إلى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النّساء: من الآية 82]،  لو كان من عند غير الله لما قال: ﴿بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوفِ﴾؛ لأنّ الله لو ابتلانا بالخوف لمتنا جميعاً، ولو ابتلانا بنقص الأموال لم نعش، لذلك قال: ﴿بِشَيْءٍ﴾، أي بجزء.

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوفِ﴾ الابتلاء يكون بخوف من شيء سيقع، والحزن على شيء وقع. الحياة فيها خوف، طالما أنّ فيها خوفاً فإنّك تعيش في ابتلاء، لا يوجد أحد منّا لا يخاف، إمّا من شخص أو مرض أو مصيبة.. ولكن أنت عندما تعيش مع الله سبحانه وتعالى، فإنّك لا تخاف من المصيبة قبل أن تقع؛ لأنّه لا يوجد ابتلاء يقع إلّا ويأتي معه اللّطف، فأنت عندما تستبق الخوف، فإنّك تفصل المصيبة عن اللّطف فتعيش بالخوف لفترة طويلة ممّا يؤدّي إلى انهيار الإنسان، ولا يوجد أحد في الدّنيا إلّا وسيتعرّض للخوف.

﴿وَالْجُوعِ﴾: الطّعام وقود حركة الإنسان، والمقصود بالجوع ما يؤدّي إلى تعطيل حركة الإنسان في الحياة، وهذا يأتي لعدّة أسباب، منها: القحط وقلّة الأمطار وغلاء الأسعار ونقص الغلال والثّمرات..

﴿وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾: الإنسان عالم أغيار، اليوم غنيّ وغداً فقير، اليوم قويّ وغداً ضعيف.

﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾: الصّابر مؤمن بوعد الله سبحانه وتعالى، وأخذ بأمر الله فأدخل نفسه في معيّة الصّابرين. لذلك عندما ورد في الحديث القدسيّ: «أما علمت أنّ عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنّك لو عدته لوجدتني عنده؟»([1]) للمريض، لماذا (عنده)؟ لأنّه صابر، فإنّك تلاقي تجليات الله سبحانه وتعالى عنده. والبشرى تكون للصّابرين الّذين رضوا بقضاء الله سبحانه وتعالى، وصبروا على ابتلاءاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب فضل عيادة المريض، الحديث رقم (2569).

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: الواو استئنافية واللام موطئة للقسم نبلونكم فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل نحن

والكاف مفعول به والجملة جواب القسم لا محل لها.

بِشَيْءٍ: متعلقان بنبلونكم.

مِنَ الْخَوْفِ: متعلقان بمحذوف صفة لشيء.

وَالْجُوعِ: معطوف على الخوف.

وَنَقْصٍ: معطوف.

مِنَ الْأَمْوالِ: متعلقان بصفة من نقص.

وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ: معطوفة أيضًا.

وَبَشِّرِ: الواو حرف عطف بشر فعل أمر والفاعل أنت.

الصَّابِرِينَ: مفعول به منصوب بالياء والجملة معطوفة على جملة لنبلونكم.

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: لنمتحننّكم، من الابتلاء: وهو الاختبار والامتحان ليعلم ما يكون من حال المختبر

والمراد: نصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم

بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ التنكير للتقليل.

بالخوف: من العدو: ضد الأمن

وَالْجُوعِ: القحط

وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ: بالهلاك

وَالْأَنْفُسِ: بالقتل والموت والأمراض

وَالثَّمَراتِ: بالجوائح، أي لنختبرنكم، فننظر أتصبرون أم لا

وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ: على البلاء بالجنة.

والمصيبة: كل ما يؤذي الإنسان في نفس أو مال أو أهل.

ونقص الثمرات: قلتها.