الآية رقم (24) - وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾: الهمّ هو حديث النّفس بالشّيء، إمّا أن يأتيه الإنسان أو لا يأتيه، فامرأة العزيز همّت به، وقالت: هيت لك.

﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾: لولا: باللّغة حرف امتناعٍ لوجود، كقولك: لولا زيدٌ عندك لأتيتك، والقرآن الكريم يتحدّث عن النّفس البشريّة، فمن طبيعة البشر بمثل هذه الظّروف أن يهمّ بها، لكنّ الله سبحانه وتعالى ينفي هنا الحدث، فبرهان ربّه عزَّ وجلّ سابقٌ على الهمّ، فلولا أن رأى برهان ربّه لكان قد همّ بها، فقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أبلغ وأعظم، لتبيّن بأنّه من الطّبيعيّ أن يهمّ بها لجمالها ومكانتها، لكنّ برهان الله جلَّ جلاله عند يوسف عليه السّلام كان سابقًا على الهمّ.

﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾: الفحشاء؛ أي الزّنى، والسّوء هو مجرّد فكرة الهمّ.

﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾: يقرّر القرآن الكريم أنّ يوسف عليه السّلام من عباد الله عزَّ وجلّ الـمُخلَصين، وفي هذا ردٌّ على الشّيطان -لعنه الله- الّذي قال عندما طُرد من رحمة الله عزَّ وجلّ بعصيانه واستكباره: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)﴾ {ص}.

«وَلَقَدْ»: الواو حرف جر وقسم واللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق.

«هَمَّتْ»: ماض والتاء للتأنيث وفاعله مستتر وجملة القسم لا محل لها من الإعراب.

«بِهِ»: متعلقان بهمت.

«وَهَمَّ بِها»: معطوف على همت به.

«لَوْلا»: حرف شرط غير جازم.

«أَنْ»: حرف ناصب.

«رَأى»: ماض وفاعله مستتر.

«بُرْهانَ»: مفعول يه.

«رَبِّهِ»: مضاف إليه والهاء مضاف إليه والجملة من أن والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ تقديره رؤية وخبره محذوف.

«كَذلِكَ»: متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق محذوف واللام للبعد والكاف للخطاب.

«لِنَصْرِفَ»: اللام للتعليل ومضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل واللام وما بعدها في تأويل المصدر متعلقان بما تعلقت به كذلك.

«عَنْهُ»: متعلقان بنصرف.

«السُّوءَ»: مفعول به.

«وَالْفَحْشاءَ»: معطوف على السوء.

«إِنَّهُ»: إن واسمها.

«مِنْ عِبادِنَا»: متعلقان بالخبر المحذوف.

«الْمُخْلَصِينَ»: صفة لعبادنا.

هَمَّتْ بِهِ: قصدت منه الجماع ومخالطته أو أن تبطش به لعصيانه أمرها، والهم بالشيء:
قصده والعزم عليه ومنه الهمام: وهو الذي إذا همّ بشيء أمضاه.

وَهَمَّ بِهاأَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ: أي لولا وجود النبوة، أو مراقبة الله تعالى وطاعته ورؤية ربه متجليا عليه، لقصد مخالطتها، والمفهوم منأنه لم يقصد ذلك أصلا، لوجود خشية الله في قلبه لأنحرف امتناع لوجود، فعند ما تقول: لولا إتيان ضيف إلى البارحة لجئت إليك، تعني تعذر المجيء لصاحبك بسبب مجيء ضيف يزورك، فالضيف مانع من حصول المجيء، وكذلك هنا: لولا برهان النبوة ومراقبة الله لهمّ بها.

كَذلِكَ: أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه وأريناه البرهان.

لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ الخيانة وَالْفَحْشاءَ الزنى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ: المختارين الذين اجتباهم الله واختارهم لطاعته وعلى قراءة كسر اللام الْمُخْلَصِينَ يكون المراد: المخلصين في الطاعة.