سبق قول الحقّ عزَّ وجلَّ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان: من الآية 31]، فلا بُدَّ أن يكون لكلّ نبيّ أعداء؛ لأنّه جاء ليعدّل ميزان المكارم الّذي تحكّم فيه ناس مُستبدّون في شراسة، وأهلُ فساد سيُحْرمون من ثمرة هذا الفساد، فطبيعيّ أنْ يقفوا في وجه الدّعوة، لذلك يضرب الحقّ عزَّ وجلَّ لرسوله صلى الله عليه وسلم بعض الأمثال من موكب الرّسالات، فيقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾، كأنّ الحقّ عزَّ وجلَّ يقول لرسوله ﷺ: لقد تعرّضتَ لمشقّة دعوة أُنَاس لا يؤمنون بالإله، أمّا موسى عليه السّلام فقد تعرّض لدعوة مَن ادّعى أنّه إله، فهناك مَنْ تحمّل كثيراً من المشقّات في سبيل الدّعوة، لدرجة أنّ موسى عليه السّلام رأى نفسه لن يستطيع القيام بهذه المهمّة وحده، فنراه -وهو النّبيّ الرّسول الّذي اختاره الله عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾[القصص: من الآية 34]، وهذا يعني أنّ موسى عليه السّلام يعلم مدى المشقّة، وحجم المهمّة الّتي سيقوم بها، فالرّسالات السّابقة كان الرّسول يُبعَث إلى أمّته المحدودة في الزّمان وفي المكان، ومع ذلك لاقوا المشقّات، أمّا أنت يا محمد فقد أُرسلتَ برسالة عامّة في الزّمان وفي المكان إلى أنْ تقوم السّاعة، فلا بُدَّ أن تكون متاعبك أكبر من متاعب مَنْ سبقوك جميعاً.
«وَلَقَدْ» الواو استئنافية واللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق
«آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ» ماض وفاعله ومفعولاه والجملة مستأنفة
«وَجَعَلْنا» ماض وفاعل والجملة معطوفة
«مَعَهُ» ظرف مكان متعلق بالمفعول به الثاني المحذوف
«أَخاهُ» مفعول به أول والهاء مضاف إليه
«هارُونَ» بدل من أخاه
«وَزِيراً» حال