﴿وَلَئِنْ﴾: اللّام في قوله سبحانه وتعالى: (لئن) تدلّ على وجود قسمٍ مؤكّدٍ، وإن كان محذوفاً، تقديره: (والله لئن)، وإذا اجتمع الشّرط والقَسم فبلاغة الأسلوب تكتفي بجوابٍ واحدٍ يكون للأسبق منهما، وهنا أغنى جواب القسم عن جواب الشّرط.
﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ﴾: كانت مهمّة الرّسل السّابقين لرسول الله ﷺ أن يُبلّغوا الدّعوة، ثمّ تتولّى السّماء تأديب الكافرين بالرّسالات، لكنّ الحقّ سبحانه وتعالى شاء أن يُفضّل أمّة رسول الله ﷺ على الأمم كلّها، وبألّا يكون هناك عذاب استئصالٍ، وأن يكون هناك مجالٌ للاستغفار، وأراد الله سبحانه وتعالى الإمهال مع الإملاء، والإملاء للظّالم تزداد فيه المظالم والنّكول عن الحقّ، وهنا يبيّن الحقّ سبحانه وتعالىلرسوله الكريم أنّه يُبطن لهم العذاب بالإمهال، لكنّهم أخذوا ذلك على موضع السّخرية والاستهزاء، وتساءلوا: أين هو العذاب؟ وقد ذكر القرآن الكريم قولهم: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) ﴾ {ص}، والقِطّ: هو جزاء العمل، مأخوذٌ من القطع.
﴿إِلَىٰ أُمَّةٍ﴾: الأمّة: هي طائفةٌ أو جماعةٌ من جنسٍ واحدٍ يجمعها، مثل: أمّة الإنس، أمّة الجنّ، أمّة النّمل.. وغير ذلك من خلق الله سبحانه وتعالى فالأمّة طائفةٌ يجمعها نظامٌ وقانونٌ واحدٌ، وأفرادها متساوون في كلّ شيءٍ، وكذلك الأمّة هي الطّائفة من الزّمن؛ أي الفترة من الزّمن.
﴿ مَّعْدُودَةٍ﴾: كلمة (معدودة) تفيد القلّة، مثل قول الحقّ تعالى: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) ﴾ {يوسف}؛ أي يمكن عدّها.
﴿ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ ﴾: ما الّذي يؤخّره؟ وهذا استهزاءٌ منهم.
﴿ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ﴾: يأتي الرّدّ عليهم بأداة التّنبيه ﴿ أَلَا﴾؛ أي تنبّهوا إلى هذا الرّدّ، فالعباد دائماً يعجلون، لكنّ الله سبحانه وتعالىلا يعجل، فكلّ أمرٍ له وقتٌ وميلادٌ، وسيأتيهم ما كانوا يستعجلون، وقد جاء تأكيد وصول العذاب إليهم بأشياء، أوّلها: ﴿أَلَا﴾ داة تنبيهٍ، ثمّ قول الحقّ سبحانه وتعالى:﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ﴾ هذا خبرٌ بأنّ العذاب آتٍ لا محالة، وأيضاً هذا العذاب ليس مصروفاً عنهم؛ أي أنّه عذابٌ مستمرٌّ.
﴿ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ حلّ بهم ونزل عليهم ووقع لهم العذاب الّذي استهزؤوا به من قبل، وكلمة (حاق) فعلٌ ماضٍ، فكيف يستعجلون أمراً، ويأتي التّعبير عنه بفعلٍ ماضٍ (حاق) وليس (يحيق) أو (سيحيق)؟ لأنّ القائل هو الله سبحانه وتعالى والكلام مأخوذٌ بقانون المتكلّم، وكلّ فعلٍ يُنسب إلى قوّة فاعله، فإذا تحدّث سبحانه وتعالىوجاء بفعلٍ ماضٍ فكأنّه يقول: إنّ الأمر واقعٌ لا محالة، والله سبحانه وتعالى خارج الزّمان فقوله: ﴿ وَحَاقَ بِهِم﴾؛ أي أنّ الأمر قد تحقّق فعلاً وانتهى؛ لأنّه لن يحول بينه وبين وقوعه أيّ عائقٍ.