الآية رقم (188) - وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

لا يظنّ أحد أنّه بفساد الأخلاق يمكن أن يعمّر بلداً، لذلك قال نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام: إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق([4]). ولذلك قال ربّنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: من الآية 112]، وليس كما رغبت، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصّلت]، فهذه قمّة الاستقامة والأخلاق، فالدّين لا يدعو إلى الحسن فقط، إنّما يدعو إلى الأحسن، عن الحسن عن الحسن عن الحسن بن أبي الحسن عن الحسن عن جدّ الحسن عليه الصّلاة والسّلام: إنّ أحسن الحسن الخُلُق الحسن([5]).

فإذا أردنا أن نبني المجتمع فيجب أن نكرّس الأخلاق، والأخلاق لا تأتي إلّا من الضّوابط الشّرعيّة.

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب الزّكاة، باب قبول الصّدقة من الكسب الطّيّب، الحديث رقم (1015).
([2]) مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد: ج1، الحديث رقم (543).
([3]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: باقي مسند الأنصار، من حديث ثوبان رضي الله عنه، الحديث رقم (22452).
([4]) سنن البيهقيّ الكبرى: كتاب الشّهادات، باب بيان مكارم الأخلاق ومعاليها الّتي من كان متخلّقاً بها كان من أهل المروءة، الحديث رقم (20571).
([5]) مسند الشّهاب: ج2، إنّ أحسن الحسن الخُلُق الحسن، الحديث رقم (986)، الحسن الأوّل ابن سهل، والثّاني ابن دينار، والثّالث البصريّ، والرّابع ابن عليّ رضي الله عنه.

وَلا: الواو للاستئناف لا ناهية جازمة.

تَأْكُلُوا: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والواو فاعل والجملة استئنافية.

أَمْوالَكُمْ: مفعول به.

بَيْنَكُمْ: ظرف متعلق بمحذوف حال من أموالكم.

بِالْباطِلِ: جار ومجرور متعلقان بتأكلوا.

وَتُدْلُوا: الواو عاطفة تدلوا عطف على تأكلوا، وقيل منصوب بأن المضمرة.

بِها: جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.

إِلَى الْحُكَّامِ: جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.

لِتَأْكُلُوا: اللام لام التعليل، تأكلوا فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال

الخمسة والواو فاعل والمصدر المؤول في محل جر باللام والجار والمجرور في محل نصب مفعول لأجله.

فَرِيقاً: مفعول به.

مِنْ أَمْوالِ: متعلقان بفريقاً.

النَّاسِ: مضاف إليه.

بِالْإِثْمِ: جار ومجرور متعلقان بالفعل لتأكلوا.

وَأَنْتُمْ: الواو حالية، أنتم مبتدأ.

تَعْلَمُونَ: فعل مضارع والواو فاعل والجملة خبر المبتدأ. والجملة الاسمية حالية.

وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ: أي يأكل بعضكم مال بعض بغير وجه مشروع، والمراد بالأكل:الأخذ والاستيلاء

وعبر به، لأنَّ المقصود الأعظم من المال هو الأكل.

وأكل المال بالباطل له وجهان:

الأول- أخذه على وجه الظلم والسرقة والغصب ونحو ذلك.

والثاني- أخذه من جهة محظورة كالقمار، وأجرة الغناء، ونحو ذلك من سائر الوجوه التي حرمها الشرع.

وقد انتظمت الآية تحريم كل هذه الوجوه.

والباطل: في اللغة: الذاهب أو الزائل، والمراد به هنا الحرام شرعاً كالسرقة والغصب.

ويشمل كل ما أخذ دون مقابل، أو دون رضا من صاحبه، أو أنفق في غير وجه حقيقي نافع.

وَتُدْلُوا: تلقوا بالأموال

إلى الحكام: رشوة للوصول إلى الحكم القضائي لصالحكم.

فَرِيقاً: الفريق من الشيء: الجملة والطائفة منه.

بِالْإِثْمِ: أي متلبسين بالإثم، أي الظلم والتعدي: وهو شهادة الزور أو اليمين الكاذبة الفاجرة أو نحوها، وسمي ذلك إثما، لأنَّ الإثم

يتعلق بفاعله.

وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنكم مبطلون آثمون، وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية.