هذه الآية تتبع الآية السّابقة، فعند قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾، فترك المولى سبحانه وتعالى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الخيار في أن يحكم بينهم بما في التّوراة، أو أن يُعرض عنهم ولا يُعطي أيّ حكمٍ.
﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ﴾: أي كيف يرضاك حكماً من لم يؤمن بك.
﴿وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾: التّوراة غير المحرّفة التي وردت فيها أوصاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ﴾: يعرضون بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين، فقد كانوا يأتون إلى رسول الله : ليأخذوا بعض الكلام ويحرّفوه عن مواضعه كما جاء في الآيات السّابقة، أو أنّهم يريدون حكماً مخفّفاً لحكم الزّنا أو بعض الأحكام الشّرعيّة الّتي وردت في التّوراة، ويأخذون من رسول الله : ما يحتالون به على شرع الله سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى يقول في تذييل الآية: ﴿وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ فهم كاذبون وليسوا بمؤمنين؛ لأنّ المؤمن هو الّذي يأخذ بما أنزل الله سبحانه وتعالى ويتّبع ما يحكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول الله جلّ وعلا في القرآن الكريم: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النّساء]، يقسم سبحانه وتعالى بذاته العليّة، وأصعب قضيّة بين النّاس هي الشّجار، ولكن حتّى الشّجار عليهم أن يحكّموك وأن يرضَوا بما حكمتَ به يا محمّد.