الآية رقم (10) - وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ

أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنزله الله سبحانه وتعالى من الحقّ، وقال بعض العلماء: لو كنّا نسمع سمع من يعي ويتفكّر، أو نعقل عقل من يميّز وينظر ما كنّا من أهل النّار.

ووسائل الإدراك والهدى هي السّمع والعقل، فالسّمع لما أنزل الله عز وجل وما جاءت به الرّسل، والعقل ينتفع بما يسمع ويوقفه على حقائق الأشياء، أمّا هم فلا سمع لهم ولا عقل، فوسائل الإدراك عندهم تعطّلت، فآذانهم صُمَّت فهي لا تسمع منهج الحقّ، وألسنتهم تعطّلت عن نقل ما في قلوبهم، وأبصارهم لا ترى آيات الله عز وجل في الكون، فآلات إدراكهم لهدى الله سبحانه وتعالى معطّلة عندهم، لذلك وصف الحقّ سبحانه وتعالى الّذين كفروا فقال: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة]، فهناك شيءٌ قد سدّ منفذ السّمع فلا يسمع، ويسبّب الصّمم فهم بكم، فالإنسان إن لم يسمع فلن يتكلّم.

والعقل وُجِدَ ليفكّر به الإنسان، فإذا لم يفكّر تفكيراً سليماً منطقيّاً فكأنّ صاحبه لا عقل له، فالأصمّ حقيقة خير من الّذي يملك حاسّة السّمع ولا يفهم بها؛ لأنّ الأصمّ له عذره والأبكم كذلك، والمجنون أيضاً له عذره.

والفقه هو أن تفهم؛ أي: أن يكون عندك ملكة فَهم تفهم بها ما يُقال لك علماً، فالفهم أوّل مرحلة والعلم مرحلة تالية، فالفقه هو الفهم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحجّ]، فهل يعقل الإنسان بقلبه، فنحن نعلم أنّ العقل في المخّ والقلب في الصّدر، فللإنسان وسائل إدراك هي الحواسّ الّتي تلتقط المحسّات كالعين واللّمس، فعندما يدرك الإنسان هذه الأشياء بوسائل الإدراك يتدخّل العقل ليغربل هذه المدركات ويختار من البدائل ما يناسبه، وبعد أن يختار العقل ويوازن بين البدائل يحكم بقضيّة تستقرّ في الذّهن وتقتنع بها، ولا تحتاج إلى إدراك مرّة أخرى، ولا لاختيار بين البدائل، فتعقد في القلب. وللعقل مهامّ أخرى غير أنّه يختار ويفاضل بين البدائل، فالعقل من مهامّه أن يعقل صاحبه عن الخطأ، ويعقله عن أن يشرد في المتاهات، وبعضهم يظنّ أنّ معنى عقل يعني حريّة الفكر، وأن يشطح المرء بعقله في الأفكار كيف يشاء، بالطّبع لا، العقل من عقال النّاقة الّذي يمنعها ويحجزها أن تشرد منك.

وهم؛ لأنّهم لم يكونوا يسمعون أو يعقلون أصبحوا في أصحاب السّعير، والشّيطان هو الّذي أوقعهم في هذا ودعاهم أن يكونوا من أصحاب السّعير، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر]، فستكون بينهم وبين النّار أُلفة، فهي تريدهم وتعشقهم حتّى صارت بينهما مصاحبة، ولكنّ الحقّ يقول هنا: ﴿ فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾، فلم يستخدم الحقّ سبحانه وتعالى كلمة: ﴿من﴾ ، بل استخدم ﴿فِي﴾، فكأنّ هؤلاء الّذين نتحدّث عنهم في وسط النّار، وأهل النّار محيطون بهم، فهم في المركز، هذا الفهم جاء من معنى: ﴿فِي﴾ هنا، لكن لماذا استحقّ هؤلاء أن يكونوا في الوسط وفي المركز وأهل النّار حولهم؟

«قالُوا» ماض وفاعله والجملة استئنافية لا محل لها

«بَلى» حرف جواب

«قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ» قد حرف تحقيق وماض ومفعوله وفاعله والجملة مقول القول

«فَكَذَّبْنا» ماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها

«وَقُلْنا» معطوف على كذبنا

«ما نَزَّلَ اللَّهُ» ما نافية وماض وفاعله

«مِنْ شَيْءٍ» شيء مجرور لفظا بمن الزائدة منصوب محلا مفعول به والجملة مقول القول

«إِنْ» نافية

«أَنْتُمْ» مبتدأ

«إِلَّا» حرف حصر

«فِي ضَلالٍ» خبر المبتدأ

«كَبِيرٍ» صفة والجملة مقول القول.