قال مشركو مكّة: إنّ الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النّصارى: المسيح ابن الله، فهناك أقوال متعدّدة واعتقادات متعدّدة، والقضيّة العقديّة تنضبط تحت عنوان احترام عقائد النّاس، وأراد الله تعالى أن يبيّن موقف الإسلام ممّا يقولون، وهذه قضيّة عقيدة، وكلّ دين له عقيدة، والإسلام له عقيدة.
أنت لا تقاتل النّاس على عقائدهم، وقد ترك الله سبحانه وتعالى حريّة الاختيار للإنسان: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس]، ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية]، ونحن حين ندعو إلى الله أو ندعو إلى عقيدتنا لا نحاسب النّاس على عقائدهم، بل العقيدة السّليمة الّتي نادى بها الإسلام أن يكون الجواب على ما يقولون هو قولنا: ﴿سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: من الآية 116]، فالجواب كلمة واحدة لا أكثر: ﴿سُبْحَانَهُ﴾، والتّسبيح هو تنزيه للذّات الإلهيّة في الأفعال وفي الصّفات، وهذا كلّه في مجال العقيدة. وكلّ شيء يخطر في بالك فالله بخلاف ذلك.
وهذا معنى ﴿سُبْحَانَهُ﴾: أي نزّه الله عن كلّ ما يخطر في بالك، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشّورى]، وأنت لك سمع وبصر، والله تعالى سميع بصير، لكنّ سمع الله تعالى وبصره غير سمعك وبصرك، وحين يتحدّثون عن صفات لله، عن أولاد وبنات لله، عن أفعال تنسب لله يكون الجواب بالنسبة لعقيدة المسلم: ﴿سُبْحَانَهُ﴾، وكلّ فعل وصِفَةٍ لله سبحانه وتعالى تختلف عمّا هو عند البشر. والله سبحانه وتعالىحيّ وأنت حيّ لكنّ حياته غير حياتك، فأنت تموت والله حيّ لا يموت، أنت قادر والله قادر، لكنّ قدرته عزَّوجل تختلف عن قدرتك، وهذا معنى ﴿سُبْحَانَهُ﴾.
وفي كلّ الأفعال الّتي فيها إعجاز ولا يستطيع البشر أن يأتوا بمثلها تسبقها كلمة: ﴿سُبْحَانَهُ﴾: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس]، فهذا الخلق يحتاج إلى سبحان الله؛ لأنّه لا يستطيع أحد غير الله أن يخلق مثله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾]الرّوم[، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ [الإسراء: من الآية 1]، وكلّ هذه الأفعال سبقتها كلمة ﴿سُبْحَانَ﴾، ففعل الإسراء يحتاج إلى كلمة ﴿سُبْحَانَ﴾، ولا يمكن أن ننسب لله تعالى ما ننسب للبشر، والله تعالى يقول: ﴿بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: من الآية 116]، إذن الـمِلْكية تنفي الوَلَديّة؛ ولأنّه يملك كلّ شيء لا يمكن أن يكون له بناتٌ ولا بنون، ولا يمكن أن يكون له يد، لكن نقول: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: من الآية 10]، سبحان الله.. ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطّور: من الآية 48]
نقول: سبحان الله، ليس كمثله شيء. وهذا حديث في العقيدة، ونحن لا نجبر النّاس على عقيدتنا كما لا نرضى أن يجبرنا أحد على عقيدته، والحساب لا يكون على العقائد بل على السّلوكيّات، فمن يخالفني في العقيدة ليس عدوّاً لي، ولا تنشأ العداوة من العقائد بل من السّلوكيّات: ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: من الآية 194]، ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التّوبة: من الآية 36]، فمن قاتلني أقاتله، ومن اعتدى عليّ أعتدي عليه، ولكن إن خالفني في العقيدة أقول: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون]، ولا نعتدي على عقائد الآخرين. فلهم حريّة الاعتقاد ولنا حريّة الاعتقاد.
﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾: أي كلّ خلقه له خاضعون، عابدون.