الآية رقم (30) - وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا

أعظم وأشدّ عتاب لكلّ مؤمن على وجه الأرض هو هذا العتاب، فلنبادر فوراً إلى القرآن الكريم.

﴿إِنَّ قَوْمِي﴾: قوْم الرّجل: أهله وعشيرته والمقيمون معه، ويجمعهم: إمّا أرض، وإمّا دين، وسُمُّوا قَوْماً؛ لأنّهم هم الّذين يقومون على أمر الأشياء.

﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾: أضاف القوم إليه ﷺ؛ لأنّهم يعرفونه ويعرفون أصْله.

﴿مَهْجُورًا﴾: من الهجر، وهو قَطْع الصّلة، فإنْ كانت من جانب واحد فهي (هَجْر)، وإن كانت من الجانبين فهي: (هاجراً)، والمعنى: أنّهم هجروا القرآن الكريم، وقطعوا الصّلة بينهم وبينه، ممّا يعني أنّهم انقطعوا عن الألوهيّة، وعن الرّسالة المحمّديّة، فلم يأخذوا أدلّة اليقين العقديّة، وانقطعوا عن الإسلام حينما تركوا القرآن الكريم، وتركوا الأحكام وعصوها، وبذلك اتّخذوا هذا القرآن الكريم مهجوراً في هذه المسائل كلّها: العقائد والعبادات والتّصديق بالرّسول، مع أنّ العرب لو فهموا قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزّخرف: من الآية 44]، لمجّدوا القرآن الكريم وتمسَّكوا به، فهو الّذي عصمهم وعصم لغتهم، وأعْلَى ذِكْرهم بين الأمم، ولو أنّ كلّ أمّة من الأمم المعاصرة أخذتْ لهجتها الخاصّة الوطنيّة، وجعلت منها لغةً لتلاشت العربيّة كلغة، ولكنّ القرآن الكريم حفظ اللّغة العربيّة، وفي كثير من بلدان الوطن العربيّ لو حدَّثونا بلهجتهم الخاصّة لا نفهم منها شيئاً، ولولا أنّ الفُصْحى لغة القرآن الكريم تربط بين هذه اللّهجات لأصبحتْ كلٌّ منها لغةً خاصّة، كما حدث في اللّغات اللّاتينيّة الّتي تولّدت منها الفرنسيّة والإيطاليّة والألمانيّة والإنجليزيّة، ولكلّ منها أسسها وقواعدها الخاصّة بها، وكانت في الأصل لغة واحدة، إلّا أنّها لا رابطَ لها من كتاب مقدّس كالقرآن الكريم، وليس هناك مثل القرآن الكريم، فالحقّ عزَّ وجلَّ يُنبِّههم إلى أنّ القرآن الكريم فيه ذِكْرهم وشرفهم وعزّتهم، وفيه شهرتهم وصيتهم، وفيه هداية وعطاء ورحمة وقِيَم وأخلاق، فالقرآن الكريم جعل العرب على كلّ لسان، ولولاه لذابوا بين الأمم كما ذابتْ قبلهم أمم وحضارات لم يسمع عنها أحد، لذلك يقول لهم النّبيّ ﷺ: «فإن تقبلوا منّي ما جئتكم به فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه إليَّ أصبر لأمر الله، حتّى يحكم الله بيني وبينكم»([1])، فلنأخذ العهد على أنفسنا ألّا نهجر القرآن الكريم، ليس فقط في قراءة الحروف، بل في إقامة الأحكام والحدود في كلّ ما أمر به الله عزَّ وجلَّ ونهى عنه، فلنجعل القرآن الكريم في كلّ يوم، وفي كلّ بيت، وفي كلّ طفل وامرأة وشابّ وهَرِم، في كلّ حياتنا، في صباحنا وفي مسائنا، ونجعل القرآن الكريم زادنا وموئلنا، فهو نجاتنا يوم القيامة، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[الشّعراء].

([1]) شرح كتاب التّوحيد من صحيح البخاريّ: ج2، ص536.

«وَقالَ الرَّسُولُ» ماض وفاعل والجملة مستأنفة

«يا رَبِّ» يا حرف نداء رب منادى مضاف وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه والجملة مقول القول

«إِنَّ قَوْمِي» إن واسمها وياء المتكلم في محل جر والجملة مقول القول

«اتَّخَذُوا» ماض وفاعله والجملة خبر إن

«هذَا» الها للتنبيه وذا اسم إشارة مفعول به أول لاتخذوا

«الْقُرْآنَ» بدل

«مَهْجُوراً» مفعول به ثان